السبت، 28 نوفمبر 2009

أفضل المتاح

قال:عندما أتأمل موقف( خالد بن الوليد)رضى الله عنه فى غزوة  
-مؤتة-وانسحابه بالجيش على غيرخطة القادة الثلاثة الذين آثروا  
القتال والاستشهاد أشعرأول وهلة بأنه أخطأ ولكن هذا الشعور يتبخر عندما أتذكر أن الرسولصلى الله عليه وسلم بارك فعله وقال:"بل كُرّار إن شاء الله "تصحيحا لما فعله صبيان المدينة عندما قذفوا الجيش العائد بالحصى قائلين :يا فُرّار.            
ولكن يظل السؤال -عندى-قائما :                                  
تحت أى بند يندرج ما فعله سيف الله خالد رضوان الله عليه ؟
وما وزن ما فعله فى الميزان العسكرى ؟وكيف يقبل قائد مثل خالد
أن يعود مهزوما وهو الذى لم يهزم من قبل ؟                        
قلت :يندرج انسحاب خالد رضى الله عنه تحت بند (أفضل المتاح)
وهو بند يتفاضل فيه الناس عامة والقادة خاصة .وخصوصا عندما
تتأزم المواقف وتكون الخيارات كلها مُرّة فعلى القائد الماهر أن  
يختار أقلها مرارة .                                                        
ولقد كان هذا الانسحاب فى الميزان العسكرى انتصارا كبيرا.فقد 
كان اللقاء بين ثلاثة آلاف مسلم بمائتى ألف مقاتل رومانى مع فارق معروف فى طبيعة التسليح والإمدادات ,وقد دارت رحى المعركة غير المتكافئة بضعة أيام .وهذه فى حد ذاته يدخل فى باب الإعجاز العسكرى .                                             
أما أن يستطيع هذا العدد الضئيل أن يكبد هذا الجيش العرمرم خسائر فادحة ثم يرجع إلى قواعده سالما بعد ما قدم اثنى عشر شهيدا فقط فهذا هو الخيال المغرق فى الخيال على جميع المقاييس
وكأنى بالإمبراطور الرومانى وقد رأى جيشه يعود مثخنا بالجراح
يشد شعره صارخا فى قواده : أيها الجبناء لقد جلبتم علينا العار.ما
كنت أرضى بأقل من أن تأتوا بهذه الحثالة مقرنين فى الأصفاد أو
على الأقل تدفنوهم جميعا فى أرض المعركة .أما أن يثقلوكم بالجراح ويعودون سالمين فهذا هو خذلانكم المبين .           
ومن هنا يمكن أن نفهم قوله صلى الله عليه وسلم "بل كرار "   
قال :وهذا يذكرنى بموقفين متضادين لأخوين بطلين رضى الله عنهما (الحسن والحسين )                                             
أما (الحسن )رضى الله عنه فقد تنازل طواعية عن الخلافة  إلى
(معاوية )رضى الله عنه رغم أن أنصاره من الشيعة حاولوا 
استمالته  وتحريضه على القتال ولكنه أدرك بنظرته الصائبة 
ومعرفته بنفوس الناس أن هؤلاء الذين خذلوا أباه لن يكونوا معه
أفضل حالا فآثر الأفضل له وللمسلمين وتحققت نبوءة جده صلى الله عليه وسلم أن الله سيجمع به بين طائفتين من المسلمين .
وأما (الحسين)رضى الله عنه فكان موقفه مختلفا فهل هناك من 
تفسير معقول لما جرى ؟                                           
قلت :لقد اختلفت الأمورعلى عهد -يزيد - الذى لم تكن له سن أبيه 
ولا حنكته ولا منزلته .فقد كان معاوية رضى الله عنه رجلا يسوس أصحابه أما يزيد فقد كان يملكه أتباعه وكان للعصبية بين أهل الشام وبين العراقيين القول الفصل فى هذا النزاع .كما كان
لانفلات يزيد من المعاييرالشرعية منذ ولايته المثيرة للجدل كان
لذلك أكبر الأثر فى تبرير المقاومة ليزيد .وحشد أهل العراق 
جهودهم ورأوا فى الحسين رضى الله عنه الشخص المناسب 
لتحقيق مآربهم .وكان أن أرسلوا إليه رضى الله عنه العهود 
والمواثيق أنهم ناصروه .ولقد نصح الكثيرون (الحسين )رضى الله عنه بعدم الخروج .ولم يكن (الحسين )بالرجل الأهوج ولكنه
عزم على الخروج تسجيلا لموقف عملى من حاكم يراه -مع الكثيرين-غير شرعى .ثم إنه احتاط لنفسه فأرسل أحد رجاله 
ليستوثق من أهل العراق وهو فى الطريق إليهم ولكن القوم كانوا أشد دهاء فأخروا(مسلم بن عقيل ) مبعوث (الحسين )إليهم حتى
إذا تيقنوا أنه قد صار فى نطاقهم وأنه لاسبيل أمامه إلى العودة 
أسفروا عن وجوههم القبيحة .وعاد -مسلم بن عقيل ليقول للحسين 
رضى الله عنه :(القلوب معك والسيوف عليك والنصرفى السماء 
وكان امر قد انقضى وأصبح الرجوع مهلكة ومضيعة وخذلان
لرفقة الحسين .وكان الصمود هو أفضل المتاح بالنسبة لهؤلاء
الرهط الشهيد .                                                          
.............                                                                  
هذه المواقف الثلاثة -إذن-تنبع من منبع واحد هو :أفضل المتاح.
الذى يتمايز فيه الممتازون وفيه يتنافسون .
.........مصطفى فهمى ابو المجد   

ليست هناك تعليقات: