الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

كأس الكؤوس

[بعد مقالى -بلاغات كروية-وجدت فى أضابير أوراقى مقالا كنت كتبته بمناسبة كأس الأمم الإفريقية وها أنا أقدمه دون تغيير.فهل تلحظ-أيها القارىء الكريم-فارقا ؟لاأظن فالقضية واحدة والهم واحد . ]
قال:هل تابعت كأس الأمم الإفريقية ؟
قلت :لا .ولكن الكل عنه يتحدثون .
قال:قمة التنظيم ,جهود جبارة فى التنظيم والإدارة,واهتمام فائق من المسئولين ,ومؤازرة من قلوب الملايين ,والحمد لله كان الفوز الذى أثلج صدور الجماهير .
قلت :حسنا .وماذا بعد ؟
قال:-متعجبا-وماذا بعد ؟اايبدو أنك غير سعيد بما حققه منتخبنا القومى من إنجاز.
قلت :إن جاز لى أن أتحدث عن إنجاز فعن غير هذا الإنجاز.
قال:ياسبحان الله .لماذا ؟لقد أحبطّنى .
قلت :دع عنك الإحباط وأجبنى :ما تقول فى رجل يتضور أهله جوعا وهوينفق ماله وجهده ووقته فى اللهومع أقرانه ؟أتراه لو جاءهم بكؤوس الدنيا أكان ذلك يشبع جوعتهم ؟
قال :تريد أن تقول إن هذا فوز لاقيمة له ؟
قلت :لقد عددت أسباب الفوز:
-قمة التنظيم .
-جهود جبارة فى الإدارة .
-اهتمام فائق من المسئولين .
-مؤازرة من قلوب الملايين .
هذه المنظومة الرائعة أعدت من أجل ماذا؟
من أجل كشف علمى خطير يُحدث ثورة فى مجال الزراعة أو الصناعة أو الطب أو التعليم أو.......؟
أم من أجل القضاء على البطالة التى تأكل أعمار الشباب وأكباد
الآباء والأمهات ؟قل لى من أجل ماذا ؟
قال:من أجل إسعاد الملايين التى خرجت إلى الشوارع تعلن عن
فرحتها الغامرة .أتستكثر هذه الفرحة على هذا الشعب البائس ؟ا
قلت:من أجل هذا الشعب البائس أنا عابس .ولكن كلامك يذكرنى
بقول -أحمد شوقى -فى مسرحية-كليوباطرا-:
          انظرى الشعب (دَيونُ)
          كيف   يوحون   إليه  ؟
          ملأ   الجو      هتافا
          بحياتَى      قاتليه
          يا  له   من  ببغاء
          عقله   فى   أذنيه
قال :وما معنى هذا ؟
قلت :أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ومعهم كثير
من المسئولين نفخوا طويلا طويلا وبتركيز شديد فى آذان العامة وأذهانهم مسبحين بحمد -الساحرة المستديرة- حتى صارت خمر الآذان والعيون والقلوب .وجعلوا من لاعبيها نجوما زاهرة ومُثلا
باهرة .وتعلقت همم الصغار والكبار بأخبارهم الباطنة والظاهرة.
وصار منتهى أمل الشباب أن يكون لاعبا أو فنانا .وأصبح كل ذلك على حساب النهضة العلمية والأخلاقية .
قال :ولكن هذا حال العالم كله من حولنا ونحن لانعيش فى جزيرة منفصلة وإلا تخلفنا عن ركب الحضارة
قلت :يرحمك الله .وهل تتصور أننا سنلحق بركب الحضارة على جناح كرة ؟يكذب ذلك الواقع الذى تتحدث عنه .قل لى :ما الدولة
التى تقود العالم الآن ؟أليست أمريكا ؟فهذه لاتملك فريقا قويا فى كرة القدم التى ليست من أولى الرياضات هناك .
قال :ولكن دولا مثل -البرازيل وفرنسا وإيطاليا تأخذ طريقها إلى القمة .
قلت :ليس بفضل الكرة -يا عزيزى -بل بفضل همة أبنائها الذين
جعلوا نصب أعينهم أهدافا كبارا فى شتى مناحى الحياة وسعواإلى
تحقيقها بجد وإتقان .وإذا كان القوم على عادتهم منضبطين فى أمورهم فقد مارسوا هذا الانضباط فى لعبهم .وجئنا -نحن-فأخذنا
عنهم الانضباط فى اللهو فقط .ولم نحسنه .فخسرنا الجد واللهومعا
قال :بل حققنا الفوز بكأس الأمم الإفريقية .
قلت :العقلاء يمارسون اللهو ليعودواإلى الجد أكثر نشاطا وهمة
ونحن نمارس اللهو لنعود أكثر كسلا وخمولا .إنا نخسر أنفسنا
فأين الفوز يا صاحبى ؟ااااا
قال:إلى هذه الدرجة أنت متشائم ؟
قلت :أخبرنى بالله عليك ماهى الأهداف التى تجمعنا ؟والغايات التى نسعى إليها؟أيعقل أن تشتعل الأمة من أقصاها إلى أقصاها من أجل كأس كرة بينما الأحداث الجسام تدق رأسها وتفرى عظامها
فلا تئن ولا تتحرك ؟هل هذا معقول ؟
قال :يعنى أنت جعلت من فوز منتخبنا بالكأس مشكلة المشكلات؟
قلت :أنا لم أجعله مشكلة لأنى لاأقيم له وزنا أصلا وأعتبره فى هذه الظروف سخافة وترفا لايبرره واقعنا المر.إن الفقيرالمريض
لا يرقص إلا كما قال الشاعر :
          كالطير يرقص مذبوحا من الألم
أنا لم أجعل الكأس مشكلة بل هم الذين جعلوه أهم القضايا وصار كل ما عداه هامشيا وما حادثة-العبارة-فى المناسبة السابقة فى
القاهرة ببعيد .فهذه الجماهير المشتعلة من أجل الكأس لم تتحرك فيها شعرة لغرق أكثر من ألف وثلاثمئة إنسان واستمرت المباريات
بل وحضرها كبار المسئولين .وكان أضعف الإيمان أن تؤجل إلى
حين .
على أن المؤسف حقا ليس تصرف المسئولين فهؤلاء قد يتعللون
بأنهم تحكمهم لوائح وقوانين -وهذا مرفوض أيضا -ولكن المؤسف
حقا هذه الجماهيرومنكوبو العبارة أهلوهم وقراباتهم كيف طاوعتهم قلوبهم أن يسعدوا على حساب الجثث الطافية على الأمواج أو الراقدة فى بطون القروش ؟
ولكن هذه هى الجريمة الكبرى لوسائل الإعلام التى نجحت كل النجاح فى مسخ شخصية هذا الإنسان الذى عرف طول تاريخه
بالشهامة والنجدة والغوث .فيا للخجل ويا للعار .
قال :لقد كان ذلك شيئا مؤسفا حقا .ولكن الحمد لله .هذه المرة-فى نيجيريا-ليست هناك عبارة .
قلت :سبحان الله العظيم .بل كارثة هذا العام أفدح .مالك يارجل؟ا
أين أنت من كارثة غزة إنها عبّارةالأمة طالت شعبا بأكمله .فماذا
فعلنا لإنقاذها ؟
قال :لقد قدم المسئولون ما يستطيعون .
قلت :فأين منظومتك التىحشدتها من أجل الكرة ؟لو حشدت من أجل غزة لكان أولى وأجدى وأهدى .ولكان ذلك مقتضى الهمة المرجوة من عموم الأمة .
قال :أنت ترى أن الأمل فى إيقاظ همة الأمة .فكيف يكون ذلك ؟
قلت :إذا حسنت النية وصدقت العزائم فالخطوة الأولى أن نصحح
الميزان .أى نضع الأمور فى موازينها .أى يكون اللعب لعبا والجد جدا .وهذا أمر تواضع عليه العقلاء من قديم ورحم الله شاعرنا الذى قال :
     ووضع الندى فى موضع السيف بالعلا
     قبيح   كوضع السيف فى موضع الندى
هذا الجد الصارم وروح الانضباط العالية التى نراها فى اللعب
والفن يجب أن تكون بالأولى فى الأمور الجادة من تعليم وصحة وغذاء وخدمات ....
قال :أفهم من كلامك أن النشاط الرياضى ضار يجب أن يلغى ؟
قلت :لم أقل ذلك ولا أعنيه .وإنما نتعامل مع الرياضة على أنها نشاط مثمر وبقدر ثمرته يكون التعامل معه فإذا كان مجرد ترفيه يجب أن يكون هذا حده ولا يعلو قدره وإذا كان مشروع تربية
للعقول والأجساد فيجب أن تكون الألعاب الفردية مثل السباحة
والرمى وركوب الخيل والمصارعة منتشرة على أوسع نطاق
وليست خاصة بفرق من عدة عشرات .على أن ترتبط الرياضة
بالنشاط الثقافى الأخلاقى .وعلى فكرة هذا ما يأمر به الإسلام الذى
يجعل من الرياضة -كأى عمل للمسلم -عبادة لله رب العالمين .
قال :أنت تقول إن الرياضة يمكن أن تكون عبادة ؟
قلت :ولم لا ؟وقد قال تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن
رباط الخيل ".وقد قال صلى الله عليه وسلم "إرموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان راميا "بل إنه صلى الله عليه وسلم كان مصارعا ممتازا وهذا واضح فى حديث -ركانة -رضى الله عنه الذى كان مصارعا لايهزم فصرعه صلى الله عليه وسلم وكان ذلك سببا فى
إسلامه .وقد سمح صلى الله عليه وسلم للأحباش بالمبارزات فى المسجد النبوى .بل وقام هو نفسه بالتسابق مع السيدة عائشة رضى
الله عنها مرتين .بل أثنى على -نسيبة بنت كعب -رضى الله عنها وهى تقاتل دونه فى -أحد-وقال "ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة"؟ا ومعلوم أنه لا يعقل أن تمسك امرأة بالسيف وتقتحم المعركة دون علم وتدريب على القتال .
قال :معنى كلامك أن الرياضة كانت هدفا للمسلمين الأولين .
قلت :أبدا .معاذ الله أن تكون الرياضة هدفهم فهم أسمى من ذلك
إنما كانت وسيلة من الوسائل إلى الهدف الأسمى لهم ولكل مسلم.
قال :وما هذا الهدف الأسمى ؟
قلت :رضا الله عز وجل الذى يقود إلى الجنة .
قال :يا صاحبى .مادخل الجنة هنا ونحن نتحدث عن الرياضة ؟
قلت:حياة المسلم كل لايتجزأ وحركته دوما هادفة وهو عندما يأكل ويشرب ويلعب ويصلى ويصوم ويحج ويجاهد ويقرأ القرآن فى كل ذلك يرجو رضوان الله تعالى وأن يتقبل هذا العمل منه وهذامن
أبجديات الدين الإسلامى .
فمن أراد الجنة أجاد وأفاد فيما يعود عليه وعلى الآخرين بالنفع
العام إذا بذل جهده خالصا لوجهه تعالى .
إنها حياة متكاملة تحكمها منظومة واحدة وتهدف إلى هدف واحد
ليس كأس الأمم الإفريقية ولا كأس العالم وإنما إلى :
"كأس كان مزاجها كافورا "  "كأس كان مزاجها زنجبيلا "
وهذا لعمرى كأس الكؤوس .
      مصطفى فهمى ابو المجد

ليست هناك تعليقات: