"وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " النور31 .
التوبة هى الأوبة والعودة ولا يكون الإياب إلا بعد الذهاب ,فمن قبل بدءخلق الإنسان كان الموقف المهيب والعهد الوثيق "وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوابلى شهدنا "الأعراف172.
فالتوبة تعنى العودة إلى هذا الأصل الفطرى الذى فطر الله الأرواح عليه .
ولكن :من الذى يتوب ؟
الآية الأولى تجيب ,فالتوبة مطلوبة من الجميع .
حتى الصالحون والشهداء والصديقون والنبيون ؟
نعم ."وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون "
ولكن الآية الكريمة تدعو المؤمنين -فقط -إلى التوبة .فكيف تطلب من الجميع ؟.
الجميع مدعوون إلى التوب من الذنب ولكن لما كان المؤمنون هم الذين يسارعون إلى التوبة كان النداء لهم نداء تكريم وحفاوة لا نداء تخصيص .
نعود إلى التساؤل :مم يتوب النبيون وهم النخبة المختارة ؟"الله أعلم حيث يجعل رسالته "الأنعام 124 .
إن الأنبياء -صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين -فى حالة الترقى المستمر إلى الله تعالى .وحالة محمد -صلى الله عليه وسلم -عند بدء نزول جبريل -عليه السلام - بقول الله تعالى "اقرأ باسم ربك الذى خلق " ليست كحالته بعد ذلك بشهور حين فتر الوحى .ففى الحالة الأولى أخذه الفزع والخوف وقال لأهله "زملونى زملونى " "دثرونى دثرونى ".أما فى الحالة الأخرى فقد أصابه حزن عظيم لتأخر الوحى ,وشتان ما بين الموقفين وما ذلك إلا لترقيه -صلى الله عليه وسلم على الحالة الأولى .ولا يتصور أنه -صلى الله عليه وسلم -قد جمد عند الحالة الثانية بل كان فى ترق دائم ,وما كان -صلى الله عليه وسلم -بعد الإسراء والمعراج مثلما كان قبلهما .
هذه المعارج النبوية يعلو بعضها بعضا والأعلى أكمل من الأدنى والأدنى أقل من الأعلى فوجوده -صلوات الله وسلامه عليه فى المقام الأدنى ذنب -فى حقه -يستغفر الله لكى يتابع ترقيه إلى المقام الأعلى فإذا علا -صلى الله عليه وسلم -صار هذا الأعلى -بالنسبة له -أدنى يستغفر الله منه حتى يتابع الترقى .وهكذا حتى صار -صلى الله عليه وسلم -أقرب الخلق إلى الحق .
وفى هذ الإطار ينبغى فهم قوله جل وعلا "إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما ".
فذنوبه -صلى الله عليه وسلم -ذنوب خاصة على قدر مقامه العظيم من ربه جل وعلا .
تأملوا قوله تعالى "عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى "الآيات من سورة "عبس "
انظروا -رحمنا الله جميعا - لقد صرح القرآن بأن الرجل أعمى وكان هذا ضروريا لبيان أنه -صلى الله عليه وسلم -لم يذنب فى حق الرجل ولم يؤذه ألبتة فالرجل أعمى لايرى وجهه -صلى الله عليه وسلم حين عبس .فليس هناك ذنب من ناحية الأعمى .أما من ناحيته -عليه الصلاة والسلام فالأمر يختلف فمقامك يارسول الله أعلى والظن بك أرقى وليس مثلك من يتجهم لرجل جاءك يسعى وهو يخشى حتى وإن كان لايراك فالتعامل معك على قدرك أنت لا على قدره .ولهذا كان مسار العتاب الإلاهى عجبا فقد بدأبخطاب الغائب "عبس وتولى أن جاءه "تنزيها للرسول -صلى الله وسلم عليه -وتلطفا به أن يوجه اللوم إليه مباشرة فلما خف اللوم عاد الخطاب "وما يدريك ".
وتأملواهذا العتاب الشديد "ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم "الأنفال 67. .
ما الذى حدث ؟
لقد أذن الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد فاجتهد واستشار أصحابه رضى الله عنهم واختار الرأى المرجوح ونزل الوحى بالرأى الراجح ,وكان هذا تعليما للأمة وإذنا لها بالاجتهاد ,وقد كان ممكنا أن ينزل الوحى من أول الأمر ليبين المسألة وبالتالى لن يكون هناك اجتهاد ولا خطأ,وقد بينت الآية التى تليها أن ذلك كان أمرا دبره الله تعالى من قبل "لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " .
وخلاصة القول أن ذنوبه -صلى الله عليه وسلم -ليست ذنوباكذنوبنا وإنما هى من باب (حسنات الأبرار سيئات المقربين )
ومع هذا فقد كان -صلى الله عليه وسلم -كثير الاستغفار وهو القائل "توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة "وفى حديث آخر "والله إنى لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم مئة مرة ".اللهم صل وسلم وبارك عليه .
على أنه -صلى الله عليه وسلم -ليس بدعا فى الأنبياء فقد كانوا كلك صلى الله وسلم عليهم أجمعين .
فهذا نوح -عليه السلام -حين نادى ربه "رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق "كان يفهم العلاقة مع ابنه علاقة الدم ولكن اللهتعالى صحح له الأمر فصار نوح بعد هذا الموقف أرقى منه قبله إوهذا أبو الأنبياءابراهيم -عليه السلام -يدعو ربه "رب أرنى كيف تحيى الموتى قال ألم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى "
فهل كان أبو الأنبياء صلى الله وسلم عليهم شاكا ؟ كلا ولكنه مقام الإنسان العادى الذى يجربه الشيطان بالوسوسة ,وإبراهيم -عليه السلام -يريد أن يعلو هذا المقام إلى حيث لا يكون للشيطان عليه سبيل .
وبعد هذا كله إذا تقرر أن الأنبياء يتوبون فمن عداهم أولى بالتوبة
والآن نأتى إلى تساؤل جديد :كيف يتوب من يريد التوبة ؟
لقد كفانا الفقهاء الأول الإجابة وذكروا شروطا للتوبة النصوح :
الأول :الاعتراف بالخطأ .
الثانى :الندم عليه .
الثالث :العزم على عدم العود إليه .
أما إذا كان الأمر يتعلق بحق من حقوق العباد يمكن رده فلا بد من رده .
ولكن هل يشترط -لقبول التوبة -أن يتحمل المذنب العقوبة المحددة للذنب إن كانت له عقوبة ؟
لا لا يشترط .وهذا من فضل الله تعالى ورحمته بهذه الأمة .
بل ورد فى الحديث الشريف صراحة النهى عن التعرض للحدود والدعوة إلى الاستتار بستر الله فى قوله -صلى الله عليه وسلم - "أيها الناس من اقترف شيئا من هذه القاذورات فستره الله فليستتر بستر الله فمن أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد "
فالتوبة يمكن أن تكون بين العبد وربه والإسلام توبة تجب ما كان قبلها والحج المبرور يجب ما كان قبله .
ونأتى إلى تساؤل ثالث :متى يتوب الإنسان ؟
هناك فرصتان فرصة عامة وفرصة خاصة ,أما العامة فهى قبل ظهور علامات الساعة الكبرى لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها "
وأما الخاصة فهى قبل الموت لقوله صلى الله عليه وسلم :"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".
وهذا يقودنا إلى السؤال الرابع :ما هى الذنوب التى يمكن التوبة منها ؟.
الجواب .كل الذنوب لقوله تعالى "إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ",ومشهورة هى حكاية الرجل الذى قتل مئة نفس ثم تاب فتاب الله عليه .
ولا يقال إن فى قبول التوبة من القتلة إهدار لأرواح الأبرياء .لأن البديل -وهو عدم قبول توبتهم -يفتح باب الإجرام على مصراعيه فما دام المجرم ضائعا ذاهبا إلى جهنم لا محالة فما الذى يكفه عن قتل المزيد ؟ وهذا ما بينه حديثه صلى الله عليه وسلم فى حكاية قاتل تسع وتسعين نفسا ,لما قال له العابد : لاتوبة له كمل به المئة ولما قال له العالم ومن يمنعه من التوبة تاب .
ولكن هل هناك ما يمنع المذنب من التوبة ؟
نعم . وهو مانع واحد .(الران ) أى الحجاب الذى يغلف القلب فيجعله قاسيا كالحجارة أو أشد قسوة .
القلب القاسى فى ظلمات بعضها فوق بعض يحجب نور التوبة عن العاصى ,وكيف يتوب وهو لا يرى نفسه مذنبا ؟وكيف يتوب وهو لا يشعر بالندم ؟.بل كيف يتوب وهو لا يتذكر الله ؟
فما الذى يمنعه من تذكر الله ؟
إنه (الران )مرة أخرى .
ومن أين يأتى (الران ) ؟
من السعار الذى يستولى على طالب الدنيا فلا يرى شيئا سوى ما يهوى من شهوة المال أو شهوة المناصب أو شهوة النساء فهذه أغلفة تحجب النور عن القلب فيسود وينحط إلى أسفل الدركات وهذا معنى قوله تعالى فى سورة (المطففين ) "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا أتهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ".
إنها الخسارة الفادحة عندما يظن العاصى أنه يكسب مالا أو منصبا أو امرأة وهو فى الحقيقة يخسر كل شىء بخسارته الآخرة .نسأل الله السلامة فى الدنيا والآخرة .
ولا يعرف معنى التوبة إلا من تاب ولا سشعر بحلا وتها إلا من أحرقته نار المعاصى ففر إلى الله وفاز برضاه "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " وهؤلاء "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم فهو ولى ذلك والقادر عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله .
مصطفى فهمى ابو المجد
التوبة هى الأوبة والعودة ولا يكون الإياب إلا بعد الذهاب ,فمن قبل بدءخلق الإنسان كان الموقف المهيب والعهد الوثيق "وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوابلى شهدنا "الأعراف172.
فالتوبة تعنى العودة إلى هذا الأصل الفطرى الذى فطر الله الأرواح عليه .
ولكن :من الذى يتوب ؟
الآية الأولى تجيب ,فالتوبة مطلوبة من الجميع .
حتى الصالحون والشهداء والصديقون والنبيون ؟
نعم ."وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون "
ولكن الآية الكريمة تدعو المؤمنين -فقط -إلى التوبة .فكيف تطلب من الجميع ؟.
الجميع مدعوون إلى التوب من الذنب ولكن لما كان المؤمنون هم الذين يسارعون إلى التوبة كان النداء لهم نداء تكريم وحفاوة لا نداء تخصيص .
نعود إلى التساؤل :مم يتوب النبيون وهم النخبة المختارة ؟"الله أعلم حيث يجعل رسالته "الأنعام 124 .
إن الأنبياء -صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين -فى حالة الترقى المستمر إلى الله تعالى .وحالة محمد -صلى الله عليه وسلم -عند بدء نزول جبريل -عليه السلام - بقول الله تعالى "اقرأ باسم ربك الذى خلق " ليست كحالته بعد ذلك بشهور حين فتر الوحى .ففى الحالة الأولى أخذه الفزع والخوف وقال لأهله "زملونى زملونى " "دثرونى دثرونى ".أما فى الحالة الأخرى فقد أصابه حزن عظيم لتأخر الوحى ,وشتان ما بين الموقفين وما ذلك إلا لترقيه -صلى الله عليه وسلم على الحالة الأولى .ولا يتصور أنه -صلى الله عليه وسلم -قد جمد عند الحالة الثانية بل كان فى ترق دائم ,وما كان -صلى الله عليه وسلم -بعد الإسراء والمعراج مثلما كان قبلهما .
هذه المعارج النبوية يعلو بعضها بعضا والأعلى أكمل من الأدنى والأدنى أقل من الأعلى فوجوده -صلوات الله وسلامه عليه فى المقام الأدنى ذنب -فى حقه -يستغفر الله لكى يتابع ترقيه إلى المقام الأعلى فإذا علا -صلى الله عليه وسلم -صار هذا الأعلى -بالنسبة له -أدنى يستغفر الله منه حتى يتابع الترقى .وهكذا حتى صار -صلى الله عليه وسلم -أقرب الخلق إلى الحق .
وفى هذ الإطار ينبغى فهم قوله جل وعلا "إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما ".
فذنوبه -صلى الله عليه وسلم -ذنوب خاصة على قدر مقامه العظيم من ربه جل وعلا .
تأملوا قوله تعالى "عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى "الآيات من سورة "عبس "
انظروا -رحمنا الله جميعا - لقد صرح القرآن بأن الرجل أعمى وكان هذا ضروريا لبيان أنه -صلى الله عليه وسلم -لم يذنب فى حق الرجل ولم يؤذه ألبتة فالرجل أعمى لايرى وجهه -صلى الله عليه وسلم حين عبس .فليس هناك ذنب من ناحية الأعمى .أما من ناحيته -عليه الصلاة والسلام فالأمر يختلف فمقامك يارسول الله أعلى والظن بك أرقى وليس مثلك من يتجهم لرجل جاءك يسعى وهو يخشى حتى وإن كان لايراك فالتعامل معك على قدرك أنت لا على قدره .ولهذا كان مسار العتاب الإلاهى عجبا فقد بدأبخطاب الغائب "عبس وتولى أن جاءه "تنزيها للرسول -صلى الله وسلم عليه -وتلطفا به أن يوجه اللوم إليه مباشرة فلما خف اللوم عاد الخطاب "وما يدريك ".
وتأملواهذا العتاب الشديد "ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم "الأنفال 67. .
ما الذى حدث ؟
لقد أذن الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد فاجتهد واستشار أصحابه رضى الله عنهم واختار الرأى المرجوح ونزل الوحى بالرأى الراجح ,وكان هذا تعليما للأمة وإذنا لها بالاجتهاد ,وقد كان ممكنا أن ينزل الوحى من أول الأمر ليبين المسألة وبالتالى لن يكون هناك اجتهاد ولا خطأ,وقد بينت الآية التى تليها أن ذلك كان أمرا دبره الله تعالى من قبل "لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " .
وخلاصة القول أن ذنوبه -صلى الله عليه وسلم -ليست ذنوباكذنوبنا وإنما هى من باب (حسنات الأبرار سيئات المقربين )
ومع هذا فقد كان -صلى الله عليه وسلم -كثير الاستغفار وهو القائل "توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة "وفى حديث آخر "والله إنى لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم مئة مرة ".اللهم صل وسلم وبارك عليه .
على أنه -صلى الله عليه وسلم -ليس بدعا فى الأنبياء فقد كانوا كلك صلى الله وسلم عليهم أجمعين .
فهذا نوح -عليه السلام -حين نادى ربه "رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق "كان يفهم العلاقة مع ابنه علاقة الدم ولكن اللهتعالى صحح له الأمر فصار نوح بعد هذا الموقف أرقى منه قبله إوهذا أبو الأنبياءابراهيم -عليه السلام -يدعو ربه "رب أرنى كيف تحيى الموتى قال ألم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى "
فهل كان أبو الأنبياء صلى الله وسلم عليهم شاكا ؟ كلا ولكنه مقام الإنسان العادى الذى يجربه الشيطان بالوسوسة ,وإبراهيم -عليه السلام -يريد أن يعلو هذا المقام إلى حيث لا يكون للشيطان عليه سبيل .
وبعد هذا كله إذا تقرر أن الأنبياء يتوبون فمن عداهم أولى بالتوبة
والآن نأتى إلى تساؤل جديد :كيف يتوب من يريد التوبة ؟
لقد كفانا الفقهاء الأول الإجابة وذكروا شروطا للتوبة النصوح :
الأول :الاعتراف بالخطأ .
الثانى :الندم عليه .
الثالث :العزم على عدم العود إليه .
أما إذا كان الأمر يتعلق بحق من حقوق العباد يمكن رده فلا بد من رده .
ولكن هل يشترط -لقبول التوبة -أن يتحمل المذنب العقوبة المحددة للذنب إن كانت له عقوبة ؟
لا لا يشترط .وهذا من فضل الله تعالى ورحمته بهذه الأمة .
بل ورد فى الحديث الشريف صراحة النهى عن التعرض للحدود والدعوة إلى الاستتار بستر الله فى قوله -صلى الله عليه وسلم - "أيها الناس من اقترف شيئا من هذه القاذورات فستره الله فليستتر بستر الله فمن أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد "
فالتوبة يمكن أن تكون بين العبد وربه والإسلام توبة تجب ما كان قبلها والحج المبرور يجب ما كان قبله .
ونأتى إلى تساؤل ثالث :متى يتوب الإنسان ؟
هناك فرصتان فرصة عامة وفرصة خاصة ,أما العامة فهى قبل ظهور علامات الساعة الكبرى لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها "
وأما الخاصة فهى قبل الموت لقوله صلى الله عليه وسلم :"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".
وهذا يقودنا إلى السؤال الرابع :ما هى الذنوب التى يمكن التوبة منها ؟.
الجواب .كل الذنوب لقوله تعالى "إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ",ومشهورة هى حكاية الرجل الذى قتل مئة نفس ثم تاب فتاب الله عليه .
ولا يقال إن فى قبول التوبة من القتلة إهدار لأرواح الأبرياء .لأن البديل -وهو عدم قبول توبتهم -يفتح باب الإجرام على مصراعيه فما دام المجرم ضائعا ذاهبا إلى جهنم لا محالة فما الذى يكفه عن قتل المزيد ؟ وهذا ما بينه حديثه صلى الله عليه وسلم فى حكاية قاتل تسع وتسعين نفسا ,لما قال له العابد : لاتوبة له كمل به المئة ولما قال له العالم ومن يمنعه من التوبة تاب .
ولكن هل هناك ما يمنع المذنب من التوبة ؟
نعم . وهو مانع واحد .(الران ) أى الحجاب الذى يغلف القلب فيجعله قاسيا كالحجارة أو أشد قسوة .
القلب القاسى فى ظلمات بعضها فوق بعض يحجب نور التوبة عن العاصى ,وكيف يتوب وهو لا يرى نفسه مذنبا ؟وكيف يتوب وهو لا يشعر بالندم ؟.بل كيف يتوب وهو لا يتذكر الله ؟
فما الذى يمنعه من تذكر الله ؟
إنه (الران )مرة أخرى .
ومن أين يأتى (الران ) ؟
من السعار الذى يستولى على طالب الدنيا فلا يرى شيئا سوى ما يهوى من شهوة المال أو شهوة المناصب أو شهوة النساء فهذه أغلفة تحجب النور عن القلب فيسود وينحط إلى أسفل الدركات وهذا معنى قوله تعالى فى سورة (المطففين ) "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا أتهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ".
إنها الخسارة الفادحة عندما يظن العاصى أنه يكسب مالا أو منصبا أو امرأة وهو فى الحقيقة يخسر كل شىء بخسارته الآخرة .نسأل الله السلامة فى الدنيا والآخرة .
ولا يعرف معنى التوبة إلا من تاب ولا سشعر بحلا وتها إلا من أحرقته نار المعاصى ففر إلى الله وفاز برضاه "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " وهؤلاء "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم فهو ولى ذلك والقادر عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله .
مصطفى فهمى ابو المجد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق