فى السادسة من عمرى بدأ ابى رحمه الله يحفظنى القرآن الكريم
وكانت طريقه صعبة جدا كان يقرئنى حصة بعد صلاة الفجرثم يسمعها من بعد صلاة الظهرثم يعطينى حصة أخرى ليسمعها بعد العصروهكذا إلى العشاء ...أربع حصص لطفل فى السادسة شىء
خارج عن الاحتمال الأمر الذى كان يؤدى كثيرا إلى العجزمما يستوجب العقاب البدنى القاسى ...وحتى تأخذوا صورة كافية عن
طفولتى (السعيدة) سأكتفى بذكر موقف واحد هو موقعة سورة
(المعارج )فقدكان موعد هذه السورة بعد العشاء وتأبت على ّوكلما أزف الموعد غاص قلبى إلى كعوب رجلى وجفت الذاكرة عن الاستيعاب ولما استيأست قلت لأمى -متعها الله بالصحة-سأتظاهر بالنوم والصباح رباح ,ولكن الصباح لم يأت وأتى أبى وسمعته يقول :أين مصطفى ؟ قالت :نام .فلم يقل شيئا .وقلبى يهتف من قلبه:استر
يارب .وأمرهاأن تحضر أدوات (الجوزة)وهى لمن لايعرف تشبه (الشيشة ) وفجأة قفزت صارخا أو صرخت قافزافقد تكرم أبى رحمه الله وأخذ قطعة فحم ملتهبة وكوى بها أخمص قدمى اليسرى
وجلست يغسلنى قهرى ودموعى وشتائمه أحاول أن ألملم فسائل ذاكرتى الذابلة دون جدوى ولم يتركنى رحمه الله إلا بعد أن أغمى
علىّ وحاولت أمى -عافاها الله- من خلال دموعها إنقاذى دون جدوى ....وفى الصباح انحلت العقدة وتلوت سورة (المعارج)دون
خطأ واحد وأقسمت أمى عافاها الله أنى -وأنا نائم-تلوتها كاملة .
هكذا مضت فترة الطفولة والصبا وكان الخروج إلى الشارع غير وارد فيما عدا وقت المدرسة .وقد عاتبت أبى رحمه الله بعدعشرين سنة على هذه القسوة على ابنه الوحيد فقال :(كان موتك أهون عندى من أن تصبح فاشلا) ...رحم الله هؤلاء الآباء الذين كادوا يقتلوننا حبا.
وجاءت مرحلة الشباب فى الثانوى والجامعة وكانت مرحلة مملة
بالنسبة لى فقد أصابتنى عقدة اسمها (الأستاذ العقاد ) فقد علمت أنه
ثقف نفسه بنفسه دون أن يدخل مدرسة فلماذا لاأكون مثله ؟وكنت
لاأفهم كيف أضيع تسع سنوات (5فى الثانوى و4فى الجامعة على أيامى ) فى قراءة عدة كتب يمكن أن أقرأها فى شهر أو اثنين ؟
وكنت فى هذه الفقرة مصابا بحمى القراءة فقرأت مئات الكتب من كل نوع ..أدبية بأنواعها علوم تاريخ ...إلخ ولكن ماذا أفعل مع أب يعاملنى معاملة السجان ؟ فكنت أضع كتابى المفضل تحت كتابى المدرسى فإذا مر علىّ أبى رحمه الله وجده وإذا ذهب ذهب ...
إلى أن كان يوم.....كنت فى السنة الثانية فى كلية اللغة العربية جامعة الأزهر ودخل الدكتور(....)الذى آتاه الله بسطة فى الجسم
فى الجسم بس ..وأشار إلى طالب ففتح الكتاب وأخذ يقرأ شرحا
على قصيدة أبى تمام :السيف أصدق أنباء من الكتب .....
فأحسست بالقرف الشديد ...أسلوب متهالك وسجع سخيف..وهنا
ظهرت (عقدة العقاد ) فرفعت يدى ووقفت قائلا:يادكتور هذا أسلوب ضعيف وسجع متكلف و...ولم أكمل فقد أطلق الدكتور صيحة داوية :(ياأباجهل اخرج منها مذءوما مدحورا) تلفت حولى
لاأدرى ماالذى حدث لكن زميلى لكزنى فخرجت من جنته...ثم عرفت أن هذا الكتاب من تأليف الدكتور وأنه سأل عن اسمى فألفوا له اسما خوفا علىّ وكانت هذه آخر محاضرة حضرتها ...عملت مدرسا فى الإسكندرية وكنت أحضر الامتحانات آخر العام ...
وانتهت مرحلة الدراسة المنتظمة وغرقت فى مستنقع الوظيفة والصراع مع الزملاء والرؤساء وشاء الله أن أذهب إلى ليبيا فى إعارة وهناك وجدت شيئا من الراحة فى المعيشة وأشياء من العناء
النفسى حيث عانيت من جنون القذافى ولجانه الثورية وكانت حقائبنا معدة دائما للرحيل فقد كان كثير التهديد بالطرد وهناك من الذكريات النكدة مالايحصى ...وسط بؤرة من النورفى ظل صديق صدوق ...وقضيت فى هذه الملحمة سبع عشرة سنة...وآن للقذافى
أن يفعلها فعدت إلى مصر وكان الكدح شديدا فى تربية أسيادى أقصد أولادى الذين أتموا دراستهم ثم تزوجوا وأصبح لكل منهم أسرة وبيت وصرت أراهم فى المناسبات والأعياد.و....اتركونى
قليلا ألتقط أنفاسى.......................................................
حسنا تفرق الأولاد إلى حياتهم الخاصة حتى الست زوجتى كثيرا
ماتذهب إلى الورثة الكرام تساعدهم فى شئون أولادهم بينما الولد
العجوز قابع يحتاج إلى أنيس .......
أرجوكم لاتمصمصوا شفاهكم فأنا لاأحب نظرات الشفقة ...
أنا الآن أنظر ورائى فأرى ركاما هائلا من الذكريات التى تشد نياط قلبى المضنى وأنظر أمامى فأرى جبلا قاتما قادما يكاد يكتم
أنفاسى إنه ما تبقى لى من المستقبل ..المستقبل ؟يا الله أكثر من سبع وستين سنة مضت كأنها لحظة فكم بقى ؟
الآن اللحظة تساوى عشر سنين وأكثر وأكلم نفسى :لو استقبلت من أمرى مااستدبرت لفعلت وفعلت ..أريد أن أترك أثرا ما فى رأسى آلاف الأفكار وأنا أشتعل رغبة ولكن أين الوقت ؟
والآن يا معاشرالشباب هل أدركتم متى تحلو وتغلو الحياة ؟
وكانت طريقه صعبة جدا كان يقرئنى حصة بعد صلاة الفجرثم يسمعها من بعد صلاة الظهرثم يعطينى حصة أخرى ليسمعها بعد العصروهكذا إلى العشاء ...أربع حصص لطفل فى السادسة شىء
خارج عن الاحتمال الأمر الذى كان يؤدى كثيرا إلى العجزمما يستوجب العقاب البدنى القاسى ...وحتى تأخذوا صورة كافية عن
طفولتى (السعيدة) سأكتفى بذكر موقف واحد هو موقعة سورة
(المعارج )فقدكان موعد هذه السورة بعد العشاء وتأبت على ّوكلما أزف الموعد غاص قلبى إلى كعوب رجلى وجفت الذاكرة عن الاستيعاب ولما استيأست قلت لأمى -متعها الله بالصحة-سأتظاهر بالنوم والصباح رباح ,ولكن الصباح لم يأت وأتى أبى وسمعته يقول :أين مصطفى ؟ قالت :نام .فلم يقل شيئا .وقلبى يهتف من قلبه:استر
يارب .وأمرهاأن تحضر أدوات (الجوزة)وهى لمن لايعرف تشبه (الشيشة ) وفجأة قفزت صارخا أو صرخت قافزافقد تكرم أبى رحمه الله وأخذ قطعة فحم ملتهبة وكوى بها أخمص قدمى اليسرى
وجلست يغسلنى قهرى ودموعى وشتائمه أحاول أن ألملم فسائل ذاكرتى الذابلة دون جدوى ولم يتركنى رحمه الله إلا بعد أن أغمى
علىّ وحاولت أمى -عافاها الله- من خلال دموعها إنقاذى دون جدوى ....وفى الصباح انحلت العقدة وتلوت سورة (المعارج)دون
خطأ واحد وأقسمت أمى عافاها الله أنى -وأنا نائم-تلوتها كاملة .
هكذا مضت فترة الطفولة والصبا وكان الخروج إلى الشارع غير وارد فيما عدا وقت المدرسة .وقد عاتبت أبى رحمه الله بعدعشرين سنة على هذه القسوة على ابنه الوحيد فقال :(كان موتك أهون عندى من أن تصبح فاشلا) ...رحم الله هؤلاء الآباء الذين كادوا يقتلوننا حبا.
وجاءت مرحلة الشباب فى الثانوى والجامعة وكانت مرحلة مملة
بالنسبة لى فقد أصابتنى عقدة اسمها (الأستاذ العقاد ) فقد علمت أنه
ثقف نفسه بنفسه دون أن يدخل مدرسة فلماذا لاأكون مثله ؟وكنت
لاأفهم كيف أضيع تسع سنوات (5فى الثانوى و4فى الجامعة على أيامى ) فى قراءة عدة كتب يمكن أن أقرأها فى شهر أو اثنين ؟
وكنت فى هذه الفقرة مصابا بحمى القراءة فقرأت مئات الكتب من كل نوع ..أدبية بأنواعها علوم تاريخ ...إلخ ولكن ماذا أفعل مع أب يعاملنى معاملة السجان ؟ فكنت أضع كتابى المفضل تحت كتابى المدرسى فإذا مر علىّ أبى رحمه الله وجده وإذا ذهب ذهب ...
إلى أن كان يوم.....كنت فى السنة الثانية فى كلية اللغة العربية جامعة الأزهر ودخل الدكتور(....)الذى آتاه الله بسطة فى الجسم
فى الجسم بس ..وأشار إلى طالب ففتح الكتاب وأخذ يقرأ شرحا
على قصيدة أبى تمام :السيف أصدق أنباء من الكتب .....
فأحسست بالقرف الشديد ...أسلوب متهالك وسجع سخيف..وهنا
ظهرت (عقدة العقاد ) فرفعت يدى ووقفت قائلا:يادكتور هذا أسلوب ضعيف وسجع متكلف و...ولم أكمل فقد أطلق الدكتور صيحة داوية :(ياأباجهل اخرج منها مذءوما مدحورا) تلفت حولى
لاأدرى ماالذى حدث لكن زميلى لكزنى فخرجت من جنته...ثم عرفت أن هذا الكتاب من تأليف الدكتور وأنه سأل عن اسمى فألفوا له اسما خوفا علىّ وكانت هذه آخر محاضرة حضرتها ...عملت مدرسا فى الإسكندرية وكنت أحضر الامتحانات آخر العام ...
وانتهت مرحلة الدراسة المنتظمة وغرقت فى مستنقع الوظيفة والصراع مع الزملاء والرؤساء وشاء الله أن أذهب إلى ليبيا فى إعارة وهناك وجدت شيئا من الراحة فى المعيشة وأشياء من العناء
النفسى حيث عانيت من جنون القذافى ولجانه الثورية وكانت حقائبنا معدة دائما للرحيل فقد كان كثير التهديد بالطرد وهناك من الذكريات النكدة مالايحصى ...وسط بؤرة من النورفى ظل صديق صدوق ...وقضيت فى هذه الملحمة سبع عشرة سنة...وآن للقذافى
أن يفعلها فعدت إلى مصر وكان الكدح شديدا فى تربية أسيادى أقصد أولادى الذين أتموا دراستهم ثم تزوجوا وأصبح لكل منهم أسرة وبيت وصرت أراهم فى المناسبات والأعياد.و....اتركونى
قليلا ألتقط أنفاسى.......................................................
حسنا تفرق الأولاد إلى حياتهم الخاصة حتى الست زوجتى كثيرا
ماتذهب إلى الورثة الكرام تساعدهم فى شئون أولادهم بينما الولد
العجوز قابع يحتاج إلى أنيس .......
أرجوكم لاتمصمصوا شفاهكم فأنا لاأحب نظرات الشفقة ...
أنا الآن أنظر ورائى فأرى ركاما هائلا من الذكريات التى تشد نياط قلبى المضنى وأنظر أمامى فأرى جبلا قاتما قادما يكاد يكتم
أنفاسى إنه ما تبقى لى من المستقبل ..المستقبل ؟يا الله أكثر من سبع وستين سنة مضت كأنها لحظة فكم بقى ؟
الآن اللحظة تساوى عشر سنين وأكثر وأكلم نفسى :لو استقبلت من أمرى مااستدبرت لفعلت وفعلت ..أريد أن أترك أثرا ما فى رأسى آلاف الأفكار وأنا أشتعل رغبة ولكن أين الوقت ؟
والآن يا معاشرالشباب هل أدركتم متى تحلو وتغلو الحياة ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق