الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

عطاء الحضارات (العدالة)

قال صاحبى:لا إخالك-هذه المرة-تمارى فى أن الحضارة الحديثة أبدعت فى ميدان العدالة
فالشواهد الرائعة خير شاهد :هذاالرئيس -نيكسون-زعيم أقوى دولة فى العالم يعزل فى منتصف فترته الثانية عندما كشف صحفى تجسسه على منافسه فى الانتخابات فيما عرف
بفضيحة(ووترجيت).وعديد من الرؤساء وكبار رجال الدولة خضعوا للقانون كغيرهم من عامة الشعب وقريبا منا فى فلسطين المحتلة عزل -موشى كساب-رئيس الكيان الصهيونى
بتهمة التحرش الجنسى بسكرتيرته وكذلك عديد من رؤساء وزارات هذا الكيان تلاحقهم التحقيقات .أليس فى هذا الدليل على غاية النزاهة والشفافية ؟وأن هذا عطاء عبقرى للحضارة الحديثة ؟وأنه لا تدانيها أية حضارة أخرى فى هذا الصدد؟
قلت :أوافقك تماما على ماقلت إلا فى أن (العدالة) هى الابنة البكر للحضارة الحديثة وأن الحضارات الأخرى عقمت أن تنجب مثل هذه العدالة.
قال :ليس الكلام إرسالا ولكن بشواهده.
قلت :بالتأكيد .فالتاريخ يذكر لنا نظما عادلة فى -الصين القديمة -وبعض ملوك فارس
ومن المعلوم أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-ذكر (النجاشى)ملك الحبشة -رضى الله عنه-وأنه ملك عادل لا يظلم أحد عنده .وهاهو سجل الإسلام حافل بنماذج ثرية للعدالة على
كل المستويات .فمن ناحية النصوص التى تؤصل للعدالة نقرأقول الله تعالى :"ولا يجرمنكم
شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا"وقوله :"ولا يجرمنكم شنآنقوم على ألا
تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى"الآية الأولى خاصةبمناسبة يوم الحديبية حين صد أهل مكة المسلمين عن المسجد الحرام والآية الثانية عامة فى كل موطن .
ونقرأ فى شأن العلاقة مع غير المسلمين :"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم
يظاهرواعلى إخراجكم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين .إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم أن تولوهم ".
بل تعالوا إلى هذه اللمحة العادلة الفريدة عندمايقرر القرآن أن من حق الزوج -الكافر-أن يسترد مهره إذا أسلمت زوجته وهاجرت وتركته :"يأيها الذين ءامنواإذاجاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقواولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن
أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافروسئلواما أنفقتم وليسئلواما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم
والله عليم حكيم ".
ومن أشهر النصوص -فى ذلك-قوله تعالى :"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى "ويلا حظ أن هذه الآية من سورة النحل المكية
أى أن الإسلام كان حفيا بالعدالة منذ عهده الأول.
ولا ننسى قوله تعالى :"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "
والعدل ضده الظلم وقد هاجم القرآن الظلم فى كافة صوره وأعلن -فى جلاء-"إن الله لا يحب الظالمين "وأعلن الرسول -صلى الله عليه وسلم-أن :"الظلم ظلمات يوم القيامة"
بل إن من أركان الإيمان التصديق باليوم الآخرالذى هو يوم العدالة الأكبر.
والنصوص أكثر من أن تحصى .
أما عن التطبيق العملى فحدث ولا حرج .فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يسوى صفوف جنوده للقتال -يوم بدر- فيصيب أحد الجنود بعصاه فى بطنه فيقول الصحابى :أوجعتنى يا رسول الله أريد القصاص فما كان منه -صلى الله وسلم عليه-فى هذه
الظروف-إلا أن كشف بطنه ودعاه إلى أخذ حقه فما كان من الصحابى -رضى الله عنه -إلا أن اعتنق الرسول -صلى الله عليه ويلم وألصق بطنه ببطنه تحبباوحرصا على أن يكون آخر عهده بالدنيا -إذا قدرت له الشهادة -أن يمس جلده جلد حبيبه صلى الله عليه وسلم-
وهاهو نبى الأمة يرسى قواعد العدل عندما سرقت المرأة المخزومية وهى من علية القوم
واستنكر شفاعة حبه -أسامى بن زيد-فيها وقال:"إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا
سرق فيهم الشريف تركوه وإن سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"
وهاهم أصحابه على منواله فهاهو عمر بن الخطاب -رضى الله عنه-يقتص للمصرى الفائز
فى السباق من ابن عمرو بن العاص -حاكم مصر-فيضربه كما ضربه بل وقول له:أجلها-أى حرك العصا-على صلعة عمرو لأن ابنه ما ضربك إلا لمكان أبيه ثم قال لعمرو قولته الخالدة:"متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"؟اا
وتعالوا إلى مظهر من مظاهر العدالة أقرب إلى الخيال ولم يشهد التاريخ له مثالا فى غير الإسلام :هاهو أمين الأمة (أبو عبيدة بن الجراح) رضى الله عنه وقد فتح دمشق يضطر إلى الانسحاب منها ليجمع الجيوش من أجل معركة (اليرموك) فيقوم برد ما أخذه من جزية من أهل دمشق لأنه إنما أخذهافى مقابل الدفاع عنهم وما دام سيتركهم فلا حق له فى هذا المال.
وقد تكرر هذاالعدل النادر مع أكثر من قائد مسلم وفى كتاب (فتوح البلدان)للبلاذرى نماذج
كثيرة.
بل تعالوا إلى العجب العجاب الذى فعله (عمر بن عبد العزيز) رضى الله عنه وقد أمر قائد جنده الذى فتح إقليم السند دون أن يراعى قواعد الإسلام فى عرض الإسلام أولا على العدو
فإن أبوا فالجزية فإن أبوافالقتال .أمره -إذ لم يراعى ذلك- أن يسحبجيشه خارج البلاد ثم يعرض عليهم الإسلام .
إنها ليست مجرد نماذج تقل أو تكثر إنما هى منهاج حياة ودستور للمعاملات اليومية
فما أجدر العالم المتحضر اليوم أن يقبس من تلك الحضارة وهذا المنهاج القويم.ااا
مصطفى فهمى أبو المجد

ليست هناك تعليقات: