قال محدثى :يعتقد الكثيرون أن مسألة الإيمان بالغيب شىء معوق للحضارة باعتبار الغيب أمر مجهول لا يدخل دائرة المدركات الحسية وهى دائرة الحضارة .
قلت :أما كون الغيب مجهولا فكل كشوفات الحضارة كانت مجهولة ولم يكن ذلك معوقا عن كشفها . وأما كونها معوقة للحضارة فهذا خطأ بكل تأكيد .ذلك لأن الإيمان بالغيب لا يناكد البحث فى نطاق المدركات الحسية ,فهذا مجال وذاك مجال ولا تناقض .
قال :وكيف وهذا عكس ذاك ؟
قلت :العكس أن يكون أمران على خط واحد كالقطارين على سكة واحدة فحتما سيكون الصدام . ونطاق المحسوس ليس على سكة نطاق المجهول .
قال :والله ما أنا فاهم .قلت :أفهمك .
نطاق المحسوسات كل ما يدركه ( العقل ) ونطاق المجهول كل ما يحسه ( القلب ).
وكلاهما مختلفان فى الإمكانات والثمرات وإن كانا يجتمعان فى الإنسان .
قال :عرفنا أن ثمار العلم المحسوس التقدم فى شؤون الحياة المادية فما ثمار (الإيمان بالغيب)؟.
قلت :التقدم فى شئون الحياة (الروحية ) .
قال :هذا أمر شخصى يهم صاحبه ولا يعنى عموم الناس .
قلت :فى شؤون الحياة المادية ما الذى يحرك الناس نحو أعمالهم ؟
قال :هدف كل واحد هو الذى يحدد حركته وأسلوبه .
قلت :أوضح قليلا .
قال :إذا كان هدفى إنقاذ غريق سأعمل ما يناسب ذلك وإذا كان هدفى السرقة سأفعل ما يناسب ذلك .
قلت :هذا رائع وهذا ما يقصد إليه (الإيمان بالغيب ) ز
قاتل :أوضح قليلا .
قلت :إن الإيمان بالغيب يهدف إلى أن يكون ( القلب ) أكثر نقاء وأكثر فاعلية فى قيادة الإنسان فى غمار الحياة .
قال :والعقل ؟
قلت :هو ربان باخرة الحياة .أمامه خريطة ترسم طريقه عبر الأمواج ,ولكن هناك أمورا غير منظورة ,لاتظهر على الخريطة ولا تقفز بين الأمواج ,إنها أمور قد تقفز من المجهول
فكيف يعمل حسابها ؟
قال :نعم كيف يعمل حسابها ؟
قلت :بالرجوع إلى موجدها وهو الله -جل وعلا -إنه يدعونا إلى الإيمان به ربا وخالقنا بيده ملكوت كل شىء خلق الأسباب وأمرنا أن ناخذ بها على أنها مجرد وسائط قد تأتى معها النتائج وقد لا تأتى فإذا أتت فالحمد لله وإلا كان الاعتقاد بأن خالق الأسباب شاء أن تتخلف
فنعيد حسا باتنا ونحن مطمئنون إلى أن الله لن يضيعناما دمنا على طريقه نتوكل عليه ولا نهمل الأخذ بأسبابه ,وهذا يجعلنا نتحرك فى أمان ,فلن يكون إلا ما شاء الله ,وهو الرب الحكيم الرحيم .
قال :وأين العقل من كل ذلك ؟
قلت :له مكانه الجميل والجليل ترعاه عناية الله وتكفف غروره وترحمه من قسوته على نفسه
بتعدى حدوده وتصديه لمالا طاقة له به .فيضيع أوقاته ويهدر طاقاته ويبدد إمكاناته فيما لا يفيد ومالن يستطيع أن يجد له حلا .فالإيمان بالغيب يطلق حرية العقل فيما يستطيع وبهذا يفيد ويستفيد ويريح ويستريح .
وهذا من أروع عطاء الإسلام "إن الدين عند الله الإسلام "
مصطفى فهمى ابو المجد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق