السبت، 12 مايو 2012

من خضم الحياة


 يروى أن /ابن حجر العسقلانى  عندما أتم كاتبه الشهير (فتح البارى فى شرح صحيح البخارى ) أولم وليمة تكلفت خمس مئة دينار ذهبا أى مئتين وخمسين جنيها مصريا .ااااااااا

أى والله هذا الخبر -وهو صحيح -تجدونه مكتوبا فى مصادر عديدة منها كتاب (سبل السلام ) لابن حجر نفسه .وأنا أسوق لحضراتكم هذا الخبر لتروا حال الجنيه المصرى وكيف بهدلته الأيام ....

وإذا كان هذا حال الجنيه المصرى فى القرن التاسع الهجرى فقد كان حاله حسنا فى التاريخ القريب كذلك فقد كنا ونحن تلامذة فى المرحلة الابتدائية فى أوائل الخمسينيات نطالب -فى علم الحساب -بتحويل الجنيهات المصرية إلى جنيهات استرلينية والعكس وكانت تكتب لنا (ملاحظة :الجنيه الاسترلينى يساوى : 97.5  قرشا مصريا ...تخيلوا الجنيه المصرى أغلى من الاسترلينى مع أن بريطانيا العظمى كانت تحتل مصر فى ذلك الوقت ...فسبحان مغير الأحوال .

إذن ماالذى حدث ؟ مصر هى مصر بأرضها ونيلها وبحارها وهذه ثابتة لم تهاجر ولم تتغير ..فما الذى تغير ؟ الإجابة الوحيدة :الناس هم الذين تغيروا ...

علمونا -ونحن صغار-أن المصريين القدماء كانوا يحترمون النيل وأن أى موظف عمومى كان يقسم على المحافظة على مياه النيل ,,ولكن هذا لم يعد موجودا الآن ..لقد تغير الناس 

وكان الفلاح يقدس أرضه ويعتبرها عرضه ويفضح من يفرط فيها وسجل الأدب الشعبى ذلك فى (عواد باع أرضه يا ولاد شوفو طوله وعرضه ياولاد ) والآن يبيع الفلاح أرضه ليشترى (فيزا) لدول الخليج أو للهجرة إلى أوربا..لقد تغير الناس 

والسؤال المنطقى :لماذا تغير الناس فى هذا الزمان ؟

والجواب المنطقى أيضا:أن الحكام والعلماء كانوا أكثر حبا للوطن منهم الآن ...فالمرحوم خالد الذكر/محمد على باشا رفع مصر إلى مصاف الدول الكبرى وأقام نهضة على الإنسان المصرى الذى سلحه بالعلم والأمن رغم أن الرجل كان ألباتى الأصل ...

ومن قبل عمنا محمد على كان حكامنا المماليك أهل عمارة وحضارة ومعارك منتصرة ولما اشتد ظلم أحدهم للأهالى قام العالم /العز بن عبد السلام ليفتى بأن المماليك لاسمع لهم ولاطاعة لأنهم أرقاء ولا بد من بيعهم ثم اعتاقهم حتى يستطيعوا الحكم وشهد التاريخ منظرا هائلا...النخاس يوقف الأمير المملوكى على مكان عال وينادى عليه ويتقدم المشترون حتى يرسو المزاد فيباع ثم يحرره مشتريه ....

أما فى هذا الزمان فقد أصدر حكامنا فرمان الرق الجماعى على الأمة فصار الوطن عزبة للحاكم وأعوانه وصار الناس (عبيدا لإحسانهم ) وصادر الحكام كل شىء حتى المشاعر والأحاسيس ومن أراد الأمثلة فليقرأ كتاب (احنا بتوع الأوتوبيس ) ففيه نماذج حقيقية ,

إن الإنسان المصرى مبدع بطبعه إذا أعطيت له الفرصة ومن دواعى السخرية أن العدو الصهيونى فى أثناء احتلاله لثغرة الدفرسوار ترك الفلاحين وشأنهم مع الأرض الصحراء فقام هؤلاء وأصلحوا -بأيديهم -عشرات الأفدنة فى مطقة الصالحية وغيرها وعندما تم الجلاء استولت الدولة المحترمة على الأرض بحجة أنها أملاك عامة .وعجبى .

وبعد كل هذه الأوجاع القلبية أجد نفسى -بعد ثورة يناير-آخذ نفسا عميقا ثم أعطس وأقول :ياترى ..هل ياترى يأتى زمان يبشرنا فيه أحفادنا -ونحن فى القبور -أن الناس قد تغيروا ؟وأن الجنيه المصرى استعاد عرشه ؟ من يدرى ؟ربما.

ليست هناك تعليقات: