الأحد، 25 مارس 2012

نحو فقه جديد

الفقه فى اللغة :الفهم وفى الاصطلاح :استنباط الأحكام الشرعية من
أدلتها التفصيلية .وميدان الفقه :النصوص الشرعية .وهذه النصوص
يجب أن تكون ثابتة ثبوتا يقينيا متواترا وهى نصوص القرآن الكريم
أو تكون ظنية راجحة الثبوت مثل معظم الأحاديث النبوية الشريفة.
وتلك النصوص بنوعيها إما قاطعة الدلالة أى لايفهم منها إلا وجه واحد مثل"وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وفى الحديث"كلكم راع ومسئول عن رعيته"وإما ظنية الدلالة أى يفهم منها أكثر من معنى
مثل"وامسحوا برؤوسكم "فالآية تحتمل الكلية باعتبار الباء زائدة 
او البعضية باعتبار الباء للتبعيض أو مجرد وضع اليد مبتلة باعتبار الباء للإلصاق وفى الحديث"لايصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة"فقد فهم منها بعض الصحابة المعنى المباشرفصلوا فى بنى قريظة وفهم منها آخرون مجرد الحث على سرعة الوصول 
فصلوا قبل ذلك وأقر الرسول صلى الله عليه وسلم الأمرين.
ودور الاجتهاد فى النصوص قطعية الدلالة :التفسير والاستنباط 
ويدورالتمايزحول كثرة الاستنباط وهذا الدور كذلك مع النصوص 
ظنية الدلالة إلا أنه أوسع نظرا لاختلاف المفاهيم حول النص
وقد يتساءل البعض :كيف كان الاجتهاد فى عهده صلى الله عليه وسلم ؟ لقد أقر النبى صلى الله عليه وسلم الاجتهاد وحث عليه "من
اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر"وأقر مبعوثه إلى اليمن /معاذ بن جبل رضى الله عنه على الاجتهاد برأيه إذا لم 
يجد حكما فى كتاب الله ولا سنة رسوله .
ولكن كيف كانت الفتوى بعده صلى الله عليه وسلم ؟
لقد كانت ترتبط بشخص المفتى ومدى ورعه وتقواه ولذا تعددت 
الفتاوى واختلفت فى العصر الواحد ولم يشكل ذلك قلقا عند المسلمين لأنهم رأوا فى ذلك فسحة تتيح للمستفتى أن يختارما يلائمه .
وسارت الأمور على هذا النهج حتى أوائل العصر العباسى .فأراد
أبو جعفر المنصورحمل الناس على موطأ الإمام مالك أى جعله 
مذهبا للدولة ولكن الإمام رفض قائلا:(إن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم تفرقوا فى الأمصار ومع كل منهم علم فلا يحمل الناس
على علم أحد دون أحد) وكان من أثر ذلك انتعاش حركة الفكر فظهرت المذاهب الأربعة الكبرى وغيرها كثير ,وبلغ من حرية الفكر واستجابته لحاجات الزمان والمكان أن الأئمة من الفقهاء لم 
يستنكفوا أن يغيروا كثيرا من أحكامهم لتغير الأحوال كما فعل الإمام الشافعى حين كان له مذهب فى العراق ومذهب فى مصر
بل اتسع نطاق الاجتهاد بين الأئمة وتلامذتهم فقد خالف أبو يوسف ومحمد أستاذهما الإمام أبا حنيفة فى عديد من المسائل .
وكان لهذه الحركة الفكرية الرحيبة أثر بالغ فى تكوين تراث فقهى
كبير جمع قدرا هائلا من اجتهادات المجتهدين .
ثم تغيرت الأحوال وجاء الفاطميون ليحملوا الناس حملا على المذهب الشيعى ولتتوارى المذاهب الأخرى عن الحياة العامة .
ثم جاءت فترة الركود والجمود السياسى والاجتماعى والثقافى لتصيب الفقه فى مقتل وكان من مظاهر هذا الخمود :
1-توقف الاجتهاد وإغلاق أبوابه.
2-تعصب أصحاب المذاهب لمذهبهم إلى حد الخصومة وإظهار العداوة .وتحريض الأمراء على الخصوم .
3-انصراف الفقهاء إلى أقوال أئمة المذهب بدلا من الرجوع مباشرة إلى الكتاب والسنة .
4-انتشار الفقه الافتراضى الذى يبعد عن الحياة العامة.
هذه الروح الجامدة المقلدة دامت طويلا حتى القرن الثانى عشر الهجرى مع ظهور بعض الجزر الفقهية الراقية مثل أبن تيمية وابن قيم الجوزية والعز بن عبد السلام .
ولما أشرقت شمس الحضارة الأوربية على الشرق وحاول بعض الحكام الأخذ بنصيب من التقدم لم يكن الفقهاء على مستوى الأمل 
إذ خذ ل فقهاء مصر الخديوى إسماعيل حين طالبهم بتقنين أحكام 
الشريعة الإسلامية فتنازعوا على أى المذاهب يكون أصلافما كان
من الرجل إلا أن هجر الشريعة إلى القانون الفرنسى .
وكان الظن أن يقوم الأزهر بدور مهم فى هذا المجال إلا أن مناهج
الأزهر كانت تقتصر على تدريس كتب المذاهب ويلاحظ هنا:
1-أن بعض الجهات فى مصر كانت تدرس الفقه الشافعى بينما يدرس الفقه المالكى فى نواح أخر والفقه الحنفى فى أماكن أخرى
وكان لهذا العمل السىءأثره الكبير فى تعميق الشقاق بين الاتجاهات الفقهية .
2-اعتمدت كتب الفقه التى ألفت فى القرن العاشر الهجرى-وهومن
عصورالجمود الفقهى بإجماع الباحثين-اعتمدت هذه الكتب لتدريس الفقه فى المرحلة الثانوية وهذه كارثة حقيقية وللإيضاح كنا ندرس
كتاب (الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع )وواضح من اسم الكتاب 
أن مهمته (حل ألفاظ عمنا أبى شجاع) وفى هذا الكتاب العجب يغرق الطالب فى آراء علماء المذهب دون الوصول إلى فائدة حاسمة وهذا لايمكن أن يصنع عقلية واعية
3-ثم تطور الأمر إلى تدريس الفقه على المذاهب الأربعة فى المرحلة الثانوية
4-والآن عادت كتب عصر الجمود بدعوى إصلاح الأزهر وتقويته
والمخرج من هذه المعضلة لن يكون إلا بالرجوع إلى الأصل الأول وهو الاجتهاد وتقديم فقه حديث يقدم الثوابت بأسلوب عصرى خال من التعقيد ويواكب المستحدثات مستلهما روح النص
ومقتضيات العصر ومن المنطقى أن تكون مهمة علمائنا اليوم أسهل من مهمة علماء الماضى فقد توافر لنا ما لم يتوافر لهم من أدوات البحث ولقد قدم بعض أئمتنا المعاصرين جهدا رائدا يمكن
أن يحتذى ويبنى عليه مثل كتب الشيخ /محمد أبى زهرة والشيخ /جاد الحق رحمهما الله وغيرهما فقد جعلا التراث الفقهى الإسلامى كله كمذهب واحد تتعدد فيه الآراء وعلى الباحث المستنير أن يتخير ما يناسب مقتضيات العصر.
ويجب أن تدرس هذه الكتب لطلاب الإعدادى والثانوى أما كتب المذاهب فيجب أن يكون ميدانها الكليات المختصة فقط .
والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .

ليست هناك تعليقات: