مع سورة (العصر)-11
"وتواصوا بالصبر"
الصبر أهم أسلحة النصر,لأن النصرلاتصنعه أدوات
الحرب وإنما تصنعه الأيدى التى تحمل السلاح وهذه الأيدى لاتتحرك ذاتيا,إنما يحركهاقلب ينبض بمبدأ,ورأس يتحرك بفكر,وكم من جيش
عرمرم ولى الأدبار لأن جنوده لايعرفون لماذا يقاتلون ,وفيم يقتلون ؟
والمسألة فى النهاية إنسان فى مواجهة إنسان.
إنسان يعلم تماما من هو؟ولماذا جاءإلى الدنيا؟
وإلى أين يمضى؟وما هدفه الأسمى؟
وإنسان مسوق إلى حيث يراد له ,قيل له:تعال فجاء,وقيل له قاتل فقاتل ,وهو ليس من هذا كله
فى شىء.
وقد يحاول الباطل أن يربى جنوده على الولاء له
إما بإغرائهم بالمادة وإغراقهم فى المتعة,وإما
بتزييف الحقائق وإلباس الباطل لبوس الحق,وقد
ينخدع جنوده فيؤمنون بالباطل,وهنا يكونون مقاتلين أشداء لجولة أو جولات ,ثم يتهاوون عندما يرون ثبات المؤمنين رغم قلة عددهم وعددهم,وتلك عبقرية (الصبر)وجاذبيته الآسرة
التى تجعل الباطل يتجرع مرارة الهزيمة وهو فى
قمة قوته أمام الحق الصبور حتى وهو يئن من الألم.
تعالوا معى لنتمثل هذا المشهد المهيب .
شيخ كبير ,وامراته الضعيفة ,فى القيد والعذاب
أمام فرعون هذه الأمة ,بكل حماقة القوة,يحاول
قسر هذين الضعيفين على الردة,وهما يأبيان ويموت (ياسر)شهيداويسقط جسده ويسقط معه
كبرياء أبى جهل ,فيعود إلى الضعيفة العملاقة
(سمية)لعلها تشفى أحقاده ولو بكلمة تبرد قلبه
ولكنها تتفل فى وجهه ,نعم تتفل فى وجه فرعون
بالله عليكم ,هل كانت (سمية)رضوان الله عليها
ضعيفة ؟كلا والله .لقد كان الفرعون أضعف من
جرذ عندما استل رمحه المجنون ليسجل شهادتها
وهوانه ,واتجه إلى الشاب الموتور(عمار)وكأنه
يستجديه ويسترحمه أن يقول كلمة يحفظ بها ماء وجهه ,وما كاد عمار ينطق الكلمة حتى يقبل فرعون ويرضى وهو الذى لم تكن تكفيه الكلمات.
ماهذه القوة العاتية التى تقمصت هؤلاء الأبطال؟
إنها ببساطة قوة (الصبر)وقد ذكرهم بها حبيبهم
صلى الله عليه وسلم وهو يراهم فى العذاب:
"صبرا آل ياسرفإن موعدكم الجنة ".
وقد يظن البعض أن الصبر قوة سالبة,وهذا خطأ
فادح,فالصبر قوة إيجابية ,إنه الدفع نحو الثبات
ولولاه لركع الحق أمام الباطل,وهذا الصمود هو
الذى يفتح العيون العمياء على جلال الحق فتتبدل
موازين القوى فإذا الباطل القوى يخر,وإذا الحق
الذى يُظن أنه ضعيف ينتصر.
ومن هنا كانت تربية الإسلام لأهله على الصبر
بوسائل شتى :فالصوم صبر,والصلاة صبروالحج
صبر,والأمر بالمعروف والنهى عن المنكرصبر.
أى أن أداء الطاعة صبر والبعد عن المعصية صبر ,واحتمال الأذى صبر,وما جهادالباطل إلا بعض هذا الصبر.
ومن العجب أن نرى الباطل يحاول أن يتسلح بهذا
السلاح القاهرفيقول زعماء الباطل لأتباعهم كما
يحكى القرآن "أن امشوا واصبروا على آلهتكم"
ص6,ولكنه الضحك على الذقون ,فأى صبر يطلبون؟إن التابع يعلم أن هذا الصبر مصلحة المتبوع فى زعامته وماله,التى ليس للتابع فيها
من نصيب ,إنه الصبر المفروض من خارج ,لا الصبر النابع من الداخل ,فشتان شتان .
ونظرة متأنية إلى الترتيب فى سورة العصر
فالتواصى بالصبر يأتى عقب التواصى بالحق لأن
الحق مبدأ والصبر قوة,ولابد للمبدأ من قوة تنافح عنه ,لأن الصراع ليس صراعا مجردا,بل هو صراع تختلط فيه الأجساد والمصالح والأفكار
ليسجل فى النهاية الانتصارلمن يستحق الانتصار
وليس أولى من الحق بالبقاء,وهذا من حصاد سورة (العصر),ولكن لاتعجلوا فموسم الحصاد
اللقاء القادم بإذن الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق