(مقالة خاصة): مخاطر الدين السيادي الأمريكي تدق ناقوس الإنذار للمسؤولين بالولايات المتحدة
2011:04:22.14:40
اعلنت وكالة ((ستاندرد اند بورز)) في بيان لها يوم 18 ابريل الجارى, أنها خفضت توقعاتها للتصنيف الائتماني السيادي طويل الأمد للولايات المتحدة من "ثابت" إلى "سلبي"، نظرا لارتفاع العجز فى الميزانية الأمريكية , الامر الذى زاد مخاوف المجتمع الدولي ازاء المشكلات المالية الامريكية وأوضاع الاقراض ومستقبل الانتعاش الاقتصادي في العالم بأسره على خلفية استمرار أزمة الديون السيادية في الدول الأوروبية.-- ازمة الدين السيادي بالارقام :
على الرغم من أن الانتعاش الاقتصادي الأمريكي أفضل مما كان متوقعا, أصبحت الديون الأمريكية المتراكمة الناجمة عن السياسة المالية العاجزة والركود الاقتصادي العميق إحدى "العقبات" الكبرى في طريق الانتعاش الاقتصادي في البلاد وتعد ايضا أكبر التحديات أمام استمرار النمو الاقتصادي فيها.
وبحلول نهاية شهر فبراير من هذا العام, تجاوز اجمالي الدين العام للولايات المتحدة 14.1 تريليون دولار امريكى, وهذا الرقم قريب من الحد الأقصى الذى وافق عليه الكونغرس الأمريكى بواقع 14.29تريليون دولار امريكى.
وذكرت ((ستاندرد اند بورز)) انه خلال الفترة ما بين عامي 2003 و2008, احتل العجز في ميزانية الحكومة الأمريكية ما يتراوح بين 2 فى المائة و5 فى المائة من إجمالي الناتج المحلي, أي أعلى بكثير مما كان عليه فى معظم الاقتصادات الأخرى المماثلة في نفس التصنيف الائتماني السيادي في العالم. وارتفعت هذه النسبة بشكل حاد لتصل الى 11 فى المائة عام 2009, ولم تنخفض بعد حتى الآن .
واقترح الرئيس الأمريكى باراك اوباما مؤخرا خفض العجز فى الميزانية فى غضون السنوات الـ 12 القادمة بأربعة تريليونات دولار أمريكي, ولكن اقتراحه لم يحصل على موافقة الكونغرس الذى يقوده الجمهوريون.
واعتقدت الوكالة انه من غير المرجح ان يتفق البيت الأبيض والكونغرس على خطة لخفض العجز المالى فى الميزانية قبل الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها عام 2012.
-- خلافات بين البيت الأبيض والكونغرس:
تطرقت توقعات ((ستاندرد اند بورز)) الى نقطة حساسة بالنسبة لصناع السياسة الأمريكية , فاستجاب البيت الأبيض والكونغرس بسرعة ولكن هناك خلافات كبيرة بينهما ويبدو انه من الصعب القضاء على هذه الخلافات بشأن المسائل المالية على الامد القصير.
صرحت مساعدة وزير الخزانة الأمريكى المسؤولة عن الأسواق المالية مريم ميلر بأن ((ستاندرد اند بورز)) قللت من قدرة قادة الولايات المتحدة على مواجهة التحديات المالية, مؤكدة على"أهمية تعزيز التعاون بين الجمهوريين والديمقراطيين ازاء الاصلاح المالى".
وقال اوستن غولسبى، احد كبار مستشاري الرئيس الامريكي باراك اوباما, ان هذا القرار مجرد "أحكام سياسية", وان الخلافات بين ادارة اوباما والكونغرس بشأن خطة خفض العجز المالى تقتصر على الفترة الزمنية فقط .
ومع ذلك, اعتقد زعيم الأغلبية بمجلس النواب اريك كانتور ان تقرير مؤسسة ((ستاندرد اند بورز)) بمثابة "جرس انذار لصناع القرار السياسى بالولايات المتحدة، وانه وينبغى على ادارة اوباما ان تجرى اصلاحات مالية فعالة اذا ارادت رفع سقف الدين العام بالبلاد".
منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية, لم تتخذ حكومة الولايات المتحدة أى اجراءات فعالة للتعامل مع التحديات المالية على الأمدين المتوسط والطويل بسبب استمرار الخلافات بين البيت الأبيض والكونغرس. ويعتقد محللون ان هذا الانذار ربما يدفع صناع القرار السياسى بالولايات المتحدة الى التوصل سريعا الى حلول واضحة.
-- اضطرابات الأسواق المالية الدولية:
بعد نشر توقعات وكالة ((ستاندرد اند بورز)) الخاصة بخفض تصنيف الدين السيادى للولايات المتحدة, عانت ثقة المستهلكين الأمريكيين نكسة, ما زاد مشاعر تجنب المخاطر المالية وبدأت الاضطرابات تدب فى الأسواق المالية الدولية.
وفى 18 ابريل الجارى, انخفضت أسعار السندات الأمريكية , ما رفع معدل عوائد السندات لمدة 10 سنوات من 3.38 فى المائة الى 3.47 فى المائة. وفى نفس اليوم, انخفضت المؤشرات الرئيسية الثلاثة (داو جونز وستاندرد اند بورز 500 الاوسع نطاقا وناسداك) فى بورصة نيويورك, بنسبة نحو 2 فى المائة, ما سجل أكبر انخفاض فى يوم واحد منذ شهر واحد.
وقال احد المحللين فى بورصة نيويورك جون غيلداف, انه نتجية لقرار وكالة ((ستاندرد اند بورز)), واجه الوضع فى الديون الأمريكية اختبارا حقيقيا .
-- آثار مرتبطة:
ألمح بعض المحللين الى ان أزمة الديون السيادية للدول الأوروبية هى من أكبر المخاطر الاقتصادية على العالم كله. وفى هذا السياق, سوف يزيد خفض تصنيف الائتمان السيادى للولايات المتحدة، التى تعد اكبر اقتصاد فى العالم ، من مخاوف الناس ازاء مستقبل الأسواق العالمية.
وقال وزير الخزانة الأمريكى تيموثي غيتنر ان اجمالى الدين العام للولايات المتحدة سوف يتجاوز السقف الذى وافق عليه الكونغرس فى موعد لا يتجاوز 16 مايو هذا العام. واذا كان الكونغرس لا يستطيع رفع سقف الدين العام فى الوقت المناسب, فلا بد ان تتخذ الحكومة تدابير عاجلة لخفض الانفاق، ما يؤثر على النفقات العسكرية ومعاشات التقاعد والرعاية الاجتماعية والتأمين الصحي.
وبعد اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، اظهر ((تقرير الرصد المالي)) الذى اصدره صندوق النقد الدولى انه على الرغم من انخفاض العجز المالى فى العديد من الدول الأوروبية , لم يتم تنفيذ خطة التعزيز المالى فى منطقة اليورو بالكامل، وان التكيف المالى للولايات المتحدة عالق، ما يشكل خطرا على الاستقرار المالى العالمى.
واذا تم خفض اخر لتصنيف الدين السيادى الامريكي فى المستقبل القريب, فسيشهد معدل عوائد السندات الطويلة الأمد هناك ارتفاعا ملحوظا. كما قد تشهد عوائد السندات للشركات التى تجرى طبقا لمعيار عوائد السندات طويلة الأمد ومعدلات الرهن العقارى ومعدلات الفائدة ارتفاعا أيضا, ما يزيد من تكاليف العملية الاقتصادية ويعوق النمو الاقتصادى الأمريكى , الأمر الذى يشكل تأثيرا سلبيا على الانتعاش الاقتصادى العالمى فى نهاية المطاف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق