الجمعة، 8 يوليو 2011

فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوى

صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
 

الكتاب : فيض القدير
مصدر الكتاب : الإنترنت
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]
4269 (الدنيا) قيل سميت الدنيا دنيا لدنوها ودناءتها (حرام على أهل الآخرة) أي ممنوعة عنهم (والآخرة حرام على أهل الدنيا) لأن المتقنع في معاش الدنيا يمكنه التوسع في عمل الآخرة
والمتوسع في متاع الدنيا لا يمكنه التوسع في عمل الآخرة لما بينهما من التضاد فهما ضرتان قال الشافعي : من ادعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب.
وقال الراغب : كما أن من المحال أن يظفر سالك طريق المشرق بما لا يوجد إلا في المغرب وعكسه فكذا من المحال أن يظفر سالك طريق معارف الدنيا بمعارف طريق الآخرة ولا يكاد الجمع بين معرفة طريق الآخرة على التحقيق والتصديق إلا من رشحه الله لتعذيب الناس في أمر معاشهم ومعادهم جميعا كالأنبياء وبعض الحكماء (والدنيا والآخرة حرام على أهل الله) لأن جنات عامة المؤمنين جنات المكاسب وجنة كمل العارفين جنات المواهب فأهل الموهبة اتقوا الله حق تقاته لا خوفا من ناره ولا طمعا في جنته فصارت جنتهم النظر إلى وجهه الأقدس ونارهم الحجاب عن جماله الأنفس فحجابهم عن رؤيته هو العذاب الأليم وعدم الحجاب هو جنات النعيم ومن ثمة قال البسطامي : إن في الجنة رجالا لو حجب الله عنهم طرفة عين لاستغاثوا من الجنة كما يستغيث أهل النار من النار فقد استبان بذلك أن الدنيا والآخرة حرام عليهم معا وقال النصر أبادي : إذا بدا لك شئ من بوادي الحق فلا تلتفت معها إلى جنة ولا إلى نار فإذا رجعت من تلك الحال فعظم ما عظم الله (فر عن ابن عباس) وفيه جبلة بن سليمان أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن معين ليس بثقة.
4270 (الدنيا حلوة) أي مشتهاة مونقة تعجب الناظرين فمن استكثر منها أهلكته كالبهيمة إذا أكثرت من رعي الزرع الأخضر أهلكها ففي تشبيه الدنيا بالخضرة التي ترعاها الأنعام إشارة إلى أن المستكثر منها كالبهائم فغلى العاقل القنع بما تدعو الحاجة منها وتجنب الإفراط والتفريط في تناولها فإنه مهلك وهذا الحديث رواه مسلم بزيادة ولفظه الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء اه بنصه ، والاستخلاف إقامة الغير مقام النفس أي جعل الله الدنيا مزينة لكم وابتلاء لكم فينظر هل تتصرفون فيها بغير ما يرضاه ؟ وقوله فاتقوا أي احذروا من الاغترار بما فيها فإنه في وشيك الزوال واحذروا النساء وقبول قولهن فإنهن ناقصات عقل وقوله أول فتنة بني إسرائيل هي أن رجلا اسمه عائيل طلب من ابن أخيه أو ابن عمه أن يزوجه بنته فأبى فقتله لينكحها وقيل لينكح زوجته وهو الذي
نزلت فيه آية البقرة (تنبيه) هل الدنيا ما على الأرض إلى قيام الساعة أو كل موجود قبل الحشر أو ما أدرك حسا والآخرة ما أدرك عقلا أو ما فيه شهوة للنفس ؟ رجح النووي الثاني وبعض المحققين ما قبل
(3/727)


الآخر (طب عن ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين ماتت بعد الخمسين وعزاه المصنف نفسه في الأحاديث المتواترة إلى الشيخين معا ولفظهما الدنيا خضرة حلوة وذكر أنه متواتر.
4271 (الدنيا حلوة رطبة) في وصفها بالخضرة وتشبيهها بالخضروات مع ما مر إشارة إلى سرعة زوالها وفنائها وأنها غرارة تفتن الناس بحسنها وطرواتها ونضارتها قال بعض العارفين : من جرعته الدنيا حلاوتها جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها (فر عن سعد) بن أبي وقاص وفيه مصعب بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال : خرجه ابن عدي ورواه عنه الحاكم أيضا ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه إليه لكان أولى.
4272 (الدنيا حلوة خضرة) إنباء عن طيب المذاق والمخبر وحسن المرأ والمنظر (فمن أخذها بحقه بورك له فيها) أي انتفع بما يأخذه في الدنيا بالتنمية وفي الآخرة بأجر النفقة (ورب متخوض) أي مسارع ومنهمك (فيما اشتهت نفسه) منها (ليس له يوم القيامة إلا النار) يريد أن للدنيا ظاهرا وباطنا فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها وإليه أشار قوله سبحانه * (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) * وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة والعمل الصالح ، ولهذا قال لقمان لابنه : خذ من الدنيا بلاغك وأنفق فضول كسبك لآخرتك ولا ترفض كل الرفض فتكون عيالا وعلى أعناق الرجال كلا (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال المنذري : رواته ثقات وقال الهيثمي : رجاله ثقات.
4273 (الدنيا حلوة خضرة) أي روضة خضراء أو شجرة ناعمة غضة مستحلاة الطعم (من اكتسب فيها مالا من حله وأنفقه في حقه أثابه الله عليه) في الآخرة (وأورده جنته) أي أد خله إياها (ومن اكتسب فيها مالا من غير حله وأنفقه في غير حقه أحله الله دار الهوان ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة) فالدنيا لا تذم لذاتها فإنها مزرعة الآخرة فمن أخذ منها مراعيا للقوانين الشرعية
أعانته على آخرته ومن ثمة قيل : لا تركن إلى الدنيا فإنها لا تبقي على أحد ولا تتركها فإن الآخرة لا تنال إلا بها (هب عن ابن عمر) بن الخطاب.
(3/728)


4274 (الدنيا دار من لا دار له) قال الطيبي : لما كان القصد الأول من الدار الإقامة مع عيش هنئ أبدي والدنيا بخلافه لم تستحق أن تسمى دارا فمن داره الدنيا فلا دار له * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوا لو كانوا يعلمون) * قال عيسى : من ذا الذي يبني على الموج دارا تلكم الدار فلا تتخذوها قرارا (ومال من لا مال له) لأن القصد من المال الإنفاق في وجوه القرب فمن أتلفه في شهواته واستيفاء لذاته فحقيق بأن يقال لا مال له * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * ولذلك قدم الظرف على عامله في قوله (ولها يجمع من لا عقل له) لغفلته عما يهمه في الآخرة ويراد منه في الدنيا والعاقل إنما يجمع للدار الآخرة * (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * قال الحكيم : لا بدلبناء هذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تسلب كرائمه ، فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه بما هو أفنى وأنشد ابن أبي الدنيا : يا فرقة الأحباب لا بد لي منك * ويا دار دنيا إنني راحل عنك ويا قصر الأيام ما لي وللمنى * ويا سكرات الموت ما لي وللضحك وما لي لا أبكي لنفسي بعبرة * إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي ألا أي حي ليس بالموت موقنا * وأي يقين منه أشبه بالشك (حم هب عن عائشة هب عن ابن مسعود موقوفا) قال المنذري والحافظ العراقي : إسناده جيد وقال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح غير دويل وهو ثقة.
4275 (الدنيا) أي الحياة الدنيا (سجن المؤمن) بالنسبة لما أعد له في الآخرة من النعيم المقيم (وجنة الكافر) بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم وعما قريب يحصل في السجن المستدام نسأل الله السلام يوم القيامة وقيل المؤمن صرف نفسه عن لذاتها فكأنه في السجن لمنع الملاذ عنه والكافر سرحها في الشهوات فهي له كالجنة قال السهروردي : والسجن والخروج منه يتعاقبان على قلب المؤمن على توالي
الساعات ومرور الأوقات لأن النفس كلما ظهرت صفاتها أظلم الوقت على القلب حتى ضاق وانكمد وهل السجن إلا تضييق وحجر من الخروج ؟ فكلما هم القلب بالتبري عن مشائم الأهواء الدنيوية والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة تشهيا إلى الآجلة وتنزها في فضاء الملكوت ومشاهدة للجمال الأزلي حجزه الشيطان المردود من هذا الباب المطرود بالاحتجاب فتدلى بحبل النفس الأمارة إليه فكدر صفو العيش عليه وحال بينه وبين محبوب طبعه وهذا من أعظم السجون وأضيقها فإن من حيل بينه
(3/729)


وبين محبوبه ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه (تتمة) ذكروا أن الحافظ ابن حجر لما كان قاضي القضاة مر يوما بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميلة فهجم عليه يهودي يبيع الزيت الحار وأثوابه ملطخة بالزيت وهو في غاية الرثاثة والشناعة فقبض على لجام بغلته وقال : يا شيخ الإسلام تزعم أن نبيكم قال الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها فقال : أنا بالنسبة لما أعد الله لي في الآخرة من النعيم كأني الآن في السجن وأنت بالنسبة لما أعد لك في الآخرة من العذاب الأليم كأنك في جنة فأسلم اليهودي (حم م) في الرقائق (ت ه) في الزهد (عن أبي هريرة طب ك عن سلمان) ورواه عنه العسكري في الأمثال بأبسط من هذا وزاد بيان السبب فأخرج عن عامر بن عطية قال : رأيت سلمان أكره على طعام فقال : حسبي أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (البزار عن ابن عمر) بن الخطاب زاد ابن المبارك في رواية عن ابن عمر وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح فيها.
4276 (الدنيا سجن المؤمن) لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة فكأنه في سجن والكافر عكسه فكأنه في جنة (وسنته) بفتح أوله (فإذا فارق الدنيا) بالموت (فارق السجن والسنة) بفتح السين المهملة القحط والجدب هكذا ضبطه الزركشي في اللآلئ وتبعه المؤلف في شرح الصدور قال بعض العارفين الدنيا سجن للمؤمن إن شعر به وضيق فيه على نفسه طلبت السراج منه إلى الآخرة فليسعد ومن لم يشعر بأنها سجن فوسع فيها على نفسه طلبت البقاء فيها وليست بباقية فيشقى.
ولما مات داود الطائي
سمعت الهتفة تقول أطلق داود من السجن وقال بعض الصوفية : حق ملك الموت أن نحييه بالسلام فإنه سبب في خلاصنا من عالم الكون والفساد فحقه عظيم وشكره لازم وحكي أن قوما من الأوائل كانوا يعظمون زحلا بالتقديس ويقولون لا يعين على الحياة العرضية بل هو سبب إنقاذنا من الدنيا الدنية (حم طب) حل (ك عن ابن عمرو) بن العاص ولم يصححه الحاكم بل سكت قال الهيثمي : ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن جنادة وهو ثقة.
4277 (الدنيا) كلها كذا هو عند الديلمي وكأنه سقط من قلم المصنف سهوا (سبعة أيام من أيام الآخرة) تمامه عند مخرجه الديلمي وذلك قوله عز وجل * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * وما أورده ابن جرير الطبري في مقدمة تاريخه عن ابن عباس من قوله الدنيا جمعة من جمع الآخرة كل يوم ألف سنة فغيثابت وبتقدير صحته فالأخبار الثابتة في الصحيحين كما قال الحافظ ابن حجر تقتضي كون مدة هذه الأمة نحو الربع أو الخمس من اليوم لما ثبت في حديث ابن عمر إنما أجلكم فيمن مضى
(3/730)


قبلكم كما بين صلاة العصر وغروب الشمس قال : فإذا ضم هذا إلى قول ابن عباس زاد على الألف زيادة كثيرة والحق أن ذلك لا يعلم حقيقته إلا اللتعالى اه.
وقال العارف ابن عربي : قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصاحت أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم واليوم رباني فإن أيام الرب كل يوم ألف سنة مما يعد بخلاف أيام الله فإنها أكبر فكان من أيام الرب وصلاح الأمة بنظرها إليه عليه الصلاة والسلام وفسادها بإعراضه فوجدنا البسملة تتضمن ألف معنى لا يحصل إلا بعد انقضاء حول ولا بد من حصول هذه المعاني التي تضمنتها لأنه ما ظهر إلا ليعطي معناه فلا بد من كمال ألف سنة لهذه الأمة وهي في أول دورة الميزان ومدتها ستة آلاف سنة روحانية محققة (فر) من حديث العلاء بن زيدك (عن أنس) قال الذهبي في الضعفاء : قال ابن المديني : العلاء بن زيدك يضع الحديث اه وفي الميزان إنه تالف يضع وقال البخاري : إنه منكر الحديث وساق له مناكير هذا منها وقال ابن حبان : يروى عن أنس نسخة موضوعة.
وقال السخاوي : إسناده غير ثابت.
4278 (الدنيا سبعة آلاف سنة) أي عمرها ذلك بعدد النجوم السيارة لكل واحد ألف سنة قال
الحرالي : الألف كمال العدد بكمال ثالث رتبة والسنة آخر تمام دورة الشمس وتمام اثنتي عشرة دورة القمر (أنا) وفي رواية وأنا بالواو (في آخرها ألفا) فإذا تمت السبعة فذلك وقت تقرض العالم وطي الدنيا وقد أكثر الناس الخوض في ذلك فأخذ البعض بما صرح به هذا الخبر المعلول وبالغ العارف البسطامي فادعى في كتابه مفتاح الجفر اتفاق وجوه الملل عليه فقال : اتفق أهل الملل الأربع المسلمون والنصارى والصابئة واليهود على أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة وقال : قال علي كرم الله وجهه : الباقي إلى خراب الدنيا ألف سنة وفي التوراة كذلك وفي التوراة الدنيا جمعة من جمع الآخرة وهي سبعة آلاف سنة وإن الله يبعث في كل ألف سنة نبيا بمعجزات واضحة وبراهين قاطعة لرفع أعلام دينه القويم وظهور صراطه المستقيم فكان في الألف الأولى آدم وفي الثانية إدريس وفي الثالثة نوح وفي الرابعة إبراهيم وفي الخامسة موسى وفي السادسة عيسى وفي السابعة محمد التي ختمت به النبوة وتمت به الآلاف فالألف الأولى لزحل والثانية للمشتري والثالثة للمريخ والرابعة للشمس والخامسة للزهرة والسادسة لعطارد والسابعة للقمر فالمتدلي على ألف آدم حرف الألف وعلى ألف إدريس حرف الباء وعلى ألف نوح حرف الجيم وعلى ألف إبراهيم حرف الدال وعلى ألف موسى حرف الهاء وعلى ألف عيسى حرف الواو وعلى ألف محمد حرف الزاي وذهب البعض إلى أن عمر الدنيا اثنا عشر ألف سنة بعدد البروج لكل برج ألف وقال البعض : ثلاثمائة وستون ألف سنة بعدد درجات الفلك وذكر الهند له حسابا طويلا جعلوا في آخر اجتماع الكواكب في آخر نقطة من الحوت فتعود كما كانت حين تحركت من أول نقط من الحمل وما بقي من أيام العالم عندهم في هذا الحساب أكثر مما مضى وما ذكر إنما هو ظن والظن لا يغني من

(3/731)

الحق شيئا ويتوجه على كل قول من الأقوال الثلاثة أن هذا الحكم وإن كان ملائما لوضع الأفلاك والكواكب فيجوز إذا مرت بعد الآلاف أن يحدث قطع كالإنسان الذي يمكن بقاؤه لكل طبيعة من الطبائع الأربع التي فيه مدة من المدد والألفية مرت به قسمة بعضها انقطع عمره فلم يبلغ قسمة ما بقي منها فكذا يجوز مثله على عمر العالم والكواكب مختلفة الأحوال مختلفة القوى متفاوتة الأجرام فما الدليل على أن الذي يصيب كل كوكب أو كل برج ألف لا أقل ولا أكثر ؟ فيتعين تفويض مدته إلى الله
كما جاء به القرآن قال مغلطاي : وهذا الحديث لا مسكة فيه فقد ذكر ابن الأثير في منال الطلب أن ألفاظه مصنوعة ملفقة وهو متداول بين رواة الحديث وأئمته وذكر بعض الحفاظ أنه موضوع ولما ذكره أبو الفرج في العلل وصف بعض رواته بالوضع وقال الذهبي : قد جاءت النصوص في فناء هذه الدار وأهلها ونسف الجبال وذلك تواتره قطعي لا محيد عنه ولا يعلم متى ذلك إلا الله فمن زعم أنه يعلمه بحساب أو بشئ من علم الحرف أو بكشف أو بنحو ذلك فهو ضال مضل (طب والبيهقي في الدلائل) وكذا ابن لال والديلمي (عن الضحاك بن زمل) الجهني تبع المصنف في تسميته الضحاك الطبراني ووافق الطبراني أبو نعيم قال ابن الأثير : أراهما ذهبا غير مذهب ولعلهما حفظا اسم الضحاك بن زمل فظناه ذاك والضحاك من أتباع التابعين قال ابن المديني : أما ابن زمل هذا فلا أعلمه تسمى في شئ من الروايات قال مغلطاي : وذكر العسكري وابن منده وابن حبان اسمه عبد الله ولما ذكر ابن حبان زملا في الصحابة قال : يقال له صحبة غير أني لا أعتمد على إسناد خبره وقال في الروض الأنف هذا الحديث وإن كان ضعيفا فقد روي موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح وتعضده آثار اه.
وقال ابن حجر هذا الحديث إنما هو عن ابن زمل وسنده ضعيف جدا وأخرجه ابن السبكي في الصحابة وقال إسناده مجهول وقال ابن الأثير : ألفاظه مصنوعة وأورده ابن الجوزي في الموضوعات.
4279 (الدنيا كلها متاع) هي مع دناءتها إلى فناء وإنما خلق ما فيها لأن يستمتع به مع حقارته أمدا قليلا ثم ينقضي والمتاع ما ليس له بقاء قال في الكشاف : شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته وقال الحرالي : وعبر بلفظ المتاع إفهاما لخستها لكونه من أسماء الجيفة التي إنما هي مثال المضطر على شعوره برفضه عن قرب من مرتجي الفناء عنها وأصل المتاع انتفاع ممتد من قولهم ماتع أي مرتفع طويل قال في الكشاف : هو من متع النهار إذا طال ولهذا يستعمل في امتداد مشارق الأرض للزوال ومنه متاع المسافر والتمتع بالنساء ولهذا غلب استعماله في معرض التحقير سيما في القرآن (وخير متاعها المرأة الصالحة) قال الطيبي : المتاع من التمتع بالشئ وهو الانتفاع به وكل ما ينتفع به من عروض الدنيا متاع والظاهر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن الاستمتاعات
الدنيوية كلها حقيرة ولا يؤبه بها وذلك أنه تعالى لما ذكر أصنافها وملاذها في آية * (زين للناس حب
(3/732)


الشهوات) * أتبعه بقوله * (ذلك متاع الحياة الدنيا) * ثم قال بعده * (والله عنده حسن المآب) * اه قال الحرالي : فيه ايماء إلى أنها أطيب حلال في الدنيا أي لأنه سبحانه زين الدنيا بسبعة أشياء ذكرها بقوله * (زين للناس) * الآية وتلك السبعة هي ملاذها وغاية آمال طلابها وأعمها زينة وأعظمها شهوة النساء لأنها تحفظ زوجها عن الحرام وتعينه على القيام بالأمور الدنيوية والدينية وكل لذة أعانت على لذات الآخرة فهي محبوبة مرضية لله فصاحبها يلتذ بها من جهة تنعمه وقرة عينه بها ومن وجهة إيصالها له إلى مرضاة ربه وإيصاله إلى لذة أكمل منها قال الطيبي : وقيد بالصالحة إيذانا بأنها شر المتاع لو لم تكن صالحة وقال الأكمل : المراد بالصالحة النقية المصلحة لحال زوجها في بيته المطيعة لأمره (حم م ن) في النكاح (عن ابن عمرو) بن العاص ولم يخرجه البخاري.
4280 (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان منها لله عز وجل) يمكن أن يكون المراد بلعنها ملاذ شهواتها وجمع حطامها وما زين من حب النساء والبنين وقناطير الذهب والفضة وحب البقاء بها فيكون قوله ملعونة متروكة مبعدة متروك ما فيها واللعن للترك وقد يراد أنها متروكة للأنبياء والأصفياء كما في خبر لهم الدنيا ولنا الآخرة (حل والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله رمز المصنف لحسنه.
4281 (الدنيا ملعونة) لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذاتها وإمالتها عن العبودية إلى الهوى حتى سلكت غير طريق الهدى (ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه) أي ما يحبه الله في الدنيا والموالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا : يعني ملعون ما في الدنيا إلا ذكر الله وما أحبه الله مما يجري في الدنيا وما سواه ملعون وقال الأشرفي : المراد بما يوالي ذكر الله طاعته واتباع أمره وتجنب نهيه لأن ذكر الله يقتضي ذلك (وعالما أو متعلما) أي هي وما فيها مبعد عن الله تعالى إلا العلم النافع الدال على الله فهذا هو المقصود ومنها قوله عالما أو متعلما بالنصب عطفا على ذكر الله لأنه مستثنى من موجب وروي بالرفع أيضا قال الطيبي : والنصب ظاهر والرفع على التأويل كأنه قيل الدنيا مذمومة لا
يحمد مما فيها إلا ذكر الله وعالم ومتعلم وكان حق الظاهر أن يكتفي بقوله وما والاه لاحتوائه على جميع الخيرات والفاضلات ومستحسنات الشرع لكنه خصص بعد التعميم دلالة على فضل العالم والمتعلم وتفخيما لشأنهما صريحا وايذانا بأن جميع الناس سواهما همج وتنبيها على أن المعنى بالعالم والمتعلم العلماء بالله الجامعون بين العلم والعمل فيخرج الجهلاء وعلم لم يعمل بعلمه ومن يعمل عمل الفضول
(3/733)


وما لا يتعلق بالدين وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة والحديث من كنوز الحكم وجوامع الكلم لدلالته بالمنطوق على جميع الخلال الحميدة وبالمفهوم على رذائلها القبيحة (تنبيه) قال ابن عطاء الله : تحقيرك للدنيا وأنت مقبل عليها زور وبهتان وتعظميك لله مع وجود إعراضك عنه من أمارات الخذلان كيف ترجو أن يكون لك قدر عنده وقد استعبدك ما ليس له قدر عنده لو اشتغلت بالباقيات عنه ما كان ذلك عذر لك عنده هذا إن اشتغلت بباق يبقى فكيف إذا اشتغلت بفان يفنى.
(تنبيه) قال الحكيم : الدنيا هي هذه الدار التي دورت أرضها تدويرا بجبل قاف وأحيط عليها بالجبل وتلك دار أخرى وهي الآخرة وهذه أولى وسميت دنيا لأنها أدنيت إليك والآخرة تعقبها فسميت عاقبة والعاقبة للمتقين وفي هذه الدار زينة وحياة فزينة هذه أصلها من تلك لكن نبتت ونشأت من أرض هي ذهبها وفضتها وجواهرها وأصل الشهوة من الفرج وأصل اللذة من الذهن وأصل القالب من التراب والحياة مسكنها في الروح والروح مسكنه في الدماغ وهو منبث في جميع الجسد وأصله معلق في عرق القلب وهو نياطه والنفس مسكنها في البطن وهي منبثة في جميع البدن وأصلها مشدود بذلك العرق والشهوات في النفس واللذة منها وعملها في الذهن ففيه الزينة والحياة التي في النفس تستعمل هذا القالب فما كان إلى العين خرج إلى العين وما كان من السمع خرج للسمع وما من النطق خرج للسان وما كان من عمل اليد أو الرجل خرج إليهما وما من عمل الفرج خرج إليه وما من عمل البطن خرج إليه فمخرج أعمال الجوارح السبع من الفرح الذي في القلب ومن الزينة والحياة التي في النفس وإذا حزن القلب ذلت النفس وانطلقت نار الشهوة وتعطلت الجوارح عن العمل وإذا فرح هاجت النفس وصارت قوية طرية وأثارت نار الشهوة واستعملت الجوارح فكل نار تستعمل الجارحة التي بحيالها فالفرح رأس أعمال
الجوارح والعبد مغلوبه فإذا حيي القلب بفرح شئ من زينة تزيى بذلك النور الذي في قلبه فيصير ذلك الفرح لله ونطق بالحمد لله وأضمر على الطاعة والشكر ثم ينتشر سلطان ذلك الفرح من صدره في جميع جوارحه فيذهب كسله ويقوى عزمه وتطيب نفسه ويصير حامدا شاكرا وإن هاج الفرح بتلك الزينة من قلبه وكان قلبه محجوبا عند الله وصدره مظلما بغيوم الهوى ودخان الشهوة ورين الذنوب لم يبصر بعين فؤاده صنع الله في تلك الزينة فيصير الفرح للنفس والفرح بالدنيا فيظهر الفساد من الجوارح وتخرج السيئات من الجسد كل سيئة من معدنها من قلة الرحمة والمبالاة وظهرت الفظاظة واليبس والغلظة والقسوة ومداني الأخلاق حتى صارت الجوارح إلى الغش والمكر والخديعة وسوء النيات والمقاصد حتى خرج إلى الفرعنة والتجبر وكل على قدره يتنعمون بنعم الله ويتلذذون بتلك اللذات فرحا وأشرا وبطرا فبان أن الأمر كله أصله من الفرح فمن أمكنه صرفه إلى الله في كل عمل تنور قلبه وإلا وقع في الوبال فإن صرف ذلك لله لم يزد لربه إلا خشوعا وخضوعا وحياء فحمده ودعاه ذلك إلى شكره بجميع جوارحه وإقامة فرائضه ومن لم يمكنه ذلك سباه فرحه فصار سبيا من سبايا النفس وإذا نالت النفس الفرح كان كرجل متغلب وجد كنزا ففرقه في الغوغاء حتى صاروا أعوانه فخرج بتلك
(3/734)


القوة على حاكم البلد فسجنه فإن تداركه الإمام الأعظم بمدد فقد نصره وإلا ذهبت الإمرة فهذا شأن القلب مع النفس * (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) * ففرح الدنيا هلاك الدين والقلب وفرح الفضل والرحمة يوصل إلى الله فإذا رأى من عبد إقباله على هذه الدنيا الدنية والشهوات الردية أعرض عنه فاستولى عليه الشيطان فجعل همه دنياه ونهمته شهوات نفسه وطلب العلو فيها حتى يضاد أقضية ربه وتدبيره وقطع بها عمره فخسر الدنيا والآخرة وإذا رأى إقباله على ربه هيأ له تدبيرا ينال به سعادة الدارين فجميع ما في الدنيا متاع وإنما صارت مذمومة ملعونة لأنها غرت النفوس بنعيمها وزهرتها ولذتها قلما ذاقت النفس طعم النعيم اشتهت ومالت عن العبودية إلى هواها وقد جعل الله هذه الأشياء مسخرة يأخذ منها للحاجة لا لقضاء الشهوة واللعن إنما وقع على ما غرك من الدنيا لا على نعيمها ولذتها فإن الأنبياء قد نالته فذلك الذي استثناه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله إلا ذكر الله إلخ (ه عن
أبي هريرة طس عن أبي مسعود) قال الطبراني : لم يروه عن ثوبان عن عبدة إلا أبو المطرف المغيرة بن مطرف قال الهيثمي : ولم أر من ذكره.
4282 (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله) فإن هذه الأمور وإن كانت فيهليست منها بل هي من أعمال الآخرة الموصلة إلى النعيم المقيم قال الحكيم : فكل شئ أريد به وجه الله من الأمور والأعمال فهو مستثنى من اللعنة فإنه قد أوى إلى ذكر الله والكفار والشياطين وكل أمر أو عمل لم يرد به وجه الله فهو ملعون فهذه الأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك لأنها ملهية للعباد عنه وكل شئ بعد البعد عن ربه فالبركة منزوعة منه (البزار) في مسنده (عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وليس كما زعم فقد قال الهيثمي : فيه المغيرة بن مطرف ولم أعرفه وبقية رجاله وثقوا.
4283 (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله تعالى) قد أعلم بهذا الحديث والأربعة قبله أن الدنيا مذمومة مبغوضة إليه تعالى إلا ما تعلق منها بدرء مفسدة أو جلب مصلحة فالمرأة الصالحة يندفع بها مفسدة الوقوع في الزنا والأمر بالمعروف جماع جلب المصالح والذكر جماع العبادة ومنشور الولاية ومفتاح السعادة والكل يبتغى به وجه الله تعالى وفيه وفيما قبله حجة لمن فضل الفقر على الغنى قالوا : لأن الله لعنها ومقتها وأبغضها إلا ما كان له فيها ومن أحب ما لعنه الله وأبغضه فقد تعرض للعنه وغضبه (طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لصحته وهو غير جيد فقد قال الهيثمي
(3/735)


فيه خراش بن المهاجر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات لكن قال المنذري : إسناده لا بأس به.
4284 (الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد) فإنه سبحانه حمى من أحبه واصطفاه عنها لئلا يتدنس بها ومنحها أعداءه ليشغلهم بها ويصرف وجوههم عنه ويطردهم عن بابه ويعمي قلوبهم ويصم أسماعهم * (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) * قال ابن عطاء الله : إنما لم يرض الدنيا لهم وجعل الدار الآخرة محلا لجزائهم لأن هذه الدار لا تسع ما يريد أن يعطيهم ولأنه أجل أقدارهم أن يجازيهم في دار لا بقاء لها (أبو عبد الرحمن السلمي) الصوفي
(في) كتاب (الزهد عن عائشة) 4285 (الدنيا لا تصفو لمؤمن كيف) تصفو له (وهي سجنه وبلاؤه) قال ابن عطاء الله إنما جعلها الله محلا للأغيار ومعدنا لوجود البلاء والأكدار تزهيدا لك فيها فأذاقنك من ذواقها الأكدار فمن عرف ذلك ثم ركن فما هو إلا أسفه لخلق وأقلهم عقلا ، آثر الخيال على الحقيقة والمنام على اليقظة والظل الزائل على النعيم الدائم وباع حياة الأبد في أرغد عيش بحياة عن ظل زائل وحال حائل.
" إن اللبيب بمثلها لا يخدع " فحق على كل عاقل يعلم أن الدنيا جمة المصائب كدرة المشارب تشمر للبرية أصناف البلية فيها مع كل لقمة غصة ومع كل جرعة شرقة فهي عدوة محبوبة كما قال أبو النواس : إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت * له عن عدو في ثياب صديق وكما روى عن الحسن ما مثلنا مع الدنيا إلا كما قال كثير عزة أسيئ بنا أو أحسني لا ملومة * لدنيا ولا مقلبة إن تقلت فما أحد فيها إلا وفي كل حال غرض لأسهم ثلاثة : سهم بلية ، وسهم رزية ، وسهم منية.
كما قيل : تناضله الآفاق من كل جانب * فتخطئه يوما ويوما تصبيه وقال حكيم : أسباب الحزن فقد محبوب أو فوت مطلوب ولا يسلم منهما إنسان لأن الثبات والدوام معدومان في عالم الكون والفساد فمن أحب أن يعيش هو وأهله وأحبابه فهو غافل وقال الحكماء : من قال لغيره صانك الله من نوب الأيام وصروف الزمان فإنه يدعو عليه بالموت فالإنسان لا
(3/736)


ينفك من ذلك إلا بخروجه من دار الكون والفساد.
(تتمة) قال ابن عطاء الله : لا تستغرب وقوع الأكدار ما دمت في هذه الدار فإنها ما أبرزت إلا ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها وإنما جعلها محلا للأغيار ومعدنا لوجود الأكدار تزهيدا لك فيها علم أنك لا تقبل النصح المجرد فذوقك من ذواقها ما يسهل
عليك وجود فراقها.
(لطيفة) في تذكرة المقريزي في ترجمة العلائي أن من شعره : ومن رام في الدنيا حياة خلية * من الهم والأكدار رام محالا فهاتيك دعوى قد تركت دليلها * على كل أبناء الزمان محالا وقال الجنيد : لست أتبشع ما يرد علي من العالم في هذه الدار لأني قد أصلت أصلا وهو أن ما في الدنيا كله شر فمن حكمه أن يتلقاني بكل ما أكره فإن تلقاني بما أحب فهو فضل والأصل هو الأول اه قال بعض العارفين : فينبغي للإنسان أن يصحب الناس على النقص ويعاملهم بالكمال فإن ظهر الكمال فهو فضل وإلا فالأصل هو الأول (ابن لال عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي وذكر أن الحاكم خرجه.
4286 (الدهن يذهب بالبؤس والكسوة) أي تحسينها (تظهر الغنى والإحسان إلى الخادم) في المأكل وحسن الهيئة والملبس (مما يكبت الله به العدو) أي يحزنه قال في الفردوس : الفقر وكبت العدو أي صرعه وأذله ويقال أحزنه والمكبوت الحزين (ابن السني وأبو نعيم) معا (في) كتاب (الطب) النبوي (عن طلحة) بن عبيد الله ورواه الطبراني والديلمي عن عائشة.
4287 (الدواء من القدر وقد ينفع) في إزالة الداء أو تخفيفه (بإذن الله) الذي لا ينفع شئ ولا يضر إلا بإذنه وهذا قاله لما سئل هل ينفع الدواء من القدر ؟ فهو الذي قدر الداء والدواء (طب وأبو نعيم) في الطب (عن ابن عباس) رمز لحسنه وليس كما قال فقد قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني : فيه صالح بن بشير المري وهو ضعيف.
4288 (الدواء من القدر وهو ينفع) أي ينفع الله به (من شاء) نفعه من خلقه (بما شاء) من الأدوية فربما يكون دواء لشخص لا يكون دواء لآخر مع اتحاد العلة فالشافي في الحقيقة هو الله
(3/737)


والأدوية أسباب وهذا قاله وقد سئل هل ينفع الدواء من القدر (ابن السني) في الطب (عن ابن عباس) ورواه عنه الديلمي أيضا.
4289 (الدواوين) جمع ديوان بكسر الدال وقد تفتح فارسي معرب قال ابن العربي : هو الدفتر قال في المغرب الديوان الجريدة من دون الكتب إذا جمعها لأنها قطعة من القراطيس مجموعة قال الطيبي
والمراد هنا صحائف الأعمال (ثلاثة فديوان لا يغفر الله منه شيئا وديوان لا يعبأ الله به شيئا) يقال ما عبأت به إذا لم أبال به وأصله من العبب أي الثقل كأنه قال ما أرى له وزنا ولا قدر قال تعالى * (ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) * (وديوان لا يشرك الله منه شيئا) بل يعمل فيه بقضية العدل بين أهله (فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئا فالإشراك بالله) قال تعالى * (ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) * (وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم) مفروض (تركه أو صلاة) مفروضة (تركها فإن الله يغفر ذلك) لمن فرط منه (إن شاء) أن يغفره (ويتجاوز) عنه فإنه حق كريم وشأن الكريم المسامحة (وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فمظالم العباد) بعضهم بعضا (بينهم ، القصاص لا محالة) أي لا بد أن يطالب بها حتى يقع القصاص من بعضهم لبعض قال الطيبي : إنما قال في القرينة الأولى لا يغفر الله ليدل على أن الشرك لا يغفر أصلا وفي الثالثة لا يترك ليؤذن بأن حق الغير لا يهمل قطعا إما بأن يقتص من خصمه أو يرضيه الله عنه وفي الثانية لا يعبأ ليشعر بأن حقه تعالى مبني على المساهلة فيترك كرما وجودا ولطفا (حم ك) في الفتن من حديث صدقة بن أبي موسى عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس (عن عائشة) قال الحاكم : صحيح فرده الذهبي بأن صدقة ضعفوه وابن بابنوس فيه جهالة وقال الهيثمي : في سند أحمد صدقة بن أبي موسى ضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات.
4290 (الديك الأبيض صديقي) لأنه أقرب الحيوانات صوتا إلى الذاكرين الله وهو يحفظ غالب أوقات الصلاة ويوقظ لها فهو لإعانته على ما يوصل إلى الرحمة والبركة كالصديق لمن هو أقرب إلى الرحمة ، فتدبر ، وما ذكر من أن اللفظ صديقي هو ما في خط المصنف ولعله سبق قلم من رواية أخرى فإن الذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر وغيره تبعا لابن الأثير معزوا لتخريج ابن
(3/738)


قانع إنما هو خليلي بدل صديقي ولم يحكوا سواه (ابن قانع) في معجم الصحابة من طريق هارون بن نجيل عن جابر بن مالك (عن أيوب) بوزن أحمد وآخره موحدة ذكر ابن حجر (بن عتبة) صحابي قال ابن الأثير : قال أحمد حديث منكر لا يصح إسناده وفي الإصابة ذكره الدارقطني في المؤتلف وقال : لا يصح
سنده وفي التجريد جزما هذا حديث منكر وفي اللسان عن ذيل الميزان جابر بن مالك عن أيوب بن عتبة إن الديك الأبيض إلخ وعنه هارون بن نجيل آفته أحدهما فإن رجال إسناده كلهم معروفون غيرهما قال الدارقطني في المؤتلف والمختلف : لا يصح إسناده وابن ما كولا لا يثبت إلى هنا كلامه.
4291 (الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو وعدو الله) تمامه كما ذكره المؤلف في الموضوعات كابن الجوزي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيته معه في البيت اه وله أسماء كثيرة وكثرتها تدل على شرف المسمى غالبا فمنها الزاووق وقال الزمخشري : الزواقي الديكة لأنهم يسمرون فتثقل عليهم زقاوها لانقطاع السمر عنهم بإبتلاج الفجر (أبو بكر البرقي) بفتح الموحدة التحتية وسكون الراء نسبة إلى برفة بلد بالمغرب خرج منها جمع كثير من العلماء في كل فن من حديث ابن أبي السري عن محمد بن حمير عن محمد بن مهاجر عن عبد الله بن عبد العزيز القرشي (عن أبي زيد الأنصاري) واسمه عمرو بن أحطب صحابي مشهور بكنيته ومحمد بن حمير وضاع وشيخه ليسس بشئ بل كذبه بعضهم ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوع وتبعه على ذلك المؤلف في مختصره فسلمه ولم يتعقبه فأعجب له كيف أورده هنا.
4292 (الديك) بكسر الدال (الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي) يوافقه خبر أبي نعيم لا تسبوا الديك فإنه صديقي وأنا صديقه وعدوه عدوي والذي بعثني بالحق لو يعلم بنو آدم ما في صوته لاشتروا لحمه وريشه بالذهب والفضة وإنه ليطرد مدى صوته من الجن اه (الحارث) بن أبي أسامة في مسنده (عن عائشة وعن أنس) بن مالك معا.
4293 (الديك الأبيض صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع دور) أي يحرس دار صاحبه وأهل سبعة دور حول داره أن يصيبهم مكروه أو سوء وللديك خصوصية ليست لغيره من معرفة الوقت الليلي فإنه يقسط صوته فيه تقسيطا لا يكاد يتفاوت ويتوالى صياحه قبل الفجر وبعده فلا
(3/739)


يكاد يخطئ طال الليل أم قصر ومن ثمة أفتى بعض الشافعية باعتماد الديك المتجرب في الوقت (البغوي) في المعجم من حديث أبي روح البلدي عن أبي شهاب عن طلحة بن يزيد عن
الأخوص (عن خالد بن معدان) مرفوعا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال : مقطوع وطلحة متروك وتعقبه المؤلف بأن ابن حجر قال : لم يبين لي الحكم على متنه بالوضع وإنما رواته ضعفاء.
4294 (الديك الأبيض الأفرق حبيبي وحبيب حبيبي جبريل) أمين الوحي (يحرس بيته) أي المحل الذي هو فيه من بيت أو غيره (وستة عشر بيتا من جيرانه) الملاصقين له من الجهات الأربع كما بينه في قوله (أربعة عن اليمين) أي عن يمين البيت الذي هو فيه (وأربعة عن الشمال وأربعة من قدام وأربعة من خلف) زاد أبو نعيم في روايته وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبيته معه في البيت (عق وأبو الشيخ [ ابن حبان ]) ابن حبان (في) كتاب (العظمة) كلاهما (عن أنس) قال في الميزان : عن ابن أبي حاتم حديث منكر وتبعه المصنف في الدرر فقال : هو منكر وظاهر كلامه هنا أن مخرجه العقيلي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه بل قال في ترجمة أحمد بن محمد البزي : هو منكر الحديث يوصل الأحاديث ثم ساق مما أنكروه عليه هذا الخبر وقال ابن أبي حاتم : روى حديثا منكرا ثم أورد له هذا وقال أبوه أبو حاتم ضعيف الحديث سمعت منه ولا أحدث عنه ، وفيه أيضا الربيع بن صبيح أورده الذهبي وغيره في الضعفاء وأورده ابن الجوزي في الموضوعات فقال : موضوع الربيع ضعيف والبزي منكر الحديث وتبعه المؤلف على ذلك في مختصرها ولم يذكر إلا كلام ابن حجر السابق.
4295 (الديك يؤذن بالصلاة) أي يعلم بدخول وقتها فيجوز الاعتماد عليه (من اتخذ ديكا أبيض حفظ من ثلاثة : من شر كل شيطان وساحر وكاهن) قال الجاحظ : زعم أهل التجربة أن ذابح الديك الأفرق لم يزل ينكب في ماله.
قال الداودي : يتعلم من الديك خمس خصال : حسن الصوت والقيام في السحر والغيرة والسخاء وكثرة الجماع (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال مخرجه البيهقي : هذا إسناد مرسل وهو به أشبه.
4296 (الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي يحرس دار صاحبه وتسع دور
(3/740)


حولها) قد أفرد الحافظ أبو نعيم أخبار الديك بتأليف ، وقد ذكر بعض المجربين أنه ما ذبح في دار إلا
وأصاب أهله نكبة (الحارث) ابن أبي أسامة في مسنده (عن أبي يزيد الأنصاري) قال الخطيب ولا يصح ، وقال السخاوي : أخبار الديك كلها فيها ركة ولا رونق لها اه.
4297 (الدينار بالدينار لا فضل بينهما والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أشار إلى أن الربا يحرم في الذهب والفضة إلا الفلوس وإن راجت لعلة الثمينة الغالبة فالربويات بعلة واحدة إن اتحد جنسها كبيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب يحرم فيهما التفاضل وكذا النساء والتفرق قبل التقابض وبيان ذلك موضح في كتب الفروع (م ن عن أبي هريرة).
4298 (الدينار كنز والدرهم كنز والقيراط كنز) أي إذا لم تخرج زكاته فهو كنز وإن كان على وجه الأرض لم يدفن فيدخل في قوله تعالى * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * بخلاف ما لو أديت زكاته فإن حكمه ليس حكم المكنوز وإن دفن في الأرض فلا يشمله الوعيد (ابن مردويه) في تفسيره (عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف ورواه عنه في الفردوس وبيض لسنده.
4299 (الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم وصاع حنطة بصاع حنطة وصاع شعير بصاع شعير وصاع ملح بصاع ملح لا فضل بين شئ من ذلك) زاد في رواية فمن زاد أو استزاد فقد أربى وفي أخرى فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقايضة (طب ك) في البيع (عن أبي أسيد الساعدي) بفتح الهمزة مالك بن ربيعة قال راويه عن أبي أشيد سمعته وابن عباس يفتي الدينار بالدينارين فقال له أبو أسيد وأغلظ فقال ابن عباس : ما كنت أظن أن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في مثل هذا فقال له أسيد : أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فقال ابن عباس : إنما هذا شئ كنت أقوله برأيي ولم أسمع فيه شيئا اه.
قال الحاكم : على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني : إسناده حسن.
(3/741)


4300 (الدينار بالدينار لا فضل بينهما والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما فمن كانت له حاجة بورق) بتثليث الراء والكسر أفصح أي فضة (فليصطرفها بذهب ومن كانت له حاجة بذهب
فليصطرفها بالورق) لفظ الحاكم في الموضعين ليصرفها والباقي سواء (والصرف ها وها) بالمد والقصر بمعنى خذ وهات فيشترط التقابض في الصرف بالمجلس (ه ك عن علي) أمير المؤمنين ، وفيه العباس بن عثمان بن شافع جد الإمام الشافعي عن عمر بن محمد بن الحنفية.
قال في الميزان : لم أر عنه راويا سوى ولده محمد أيضا ورواه عنه أيضا الحاكم وقال : صحيح غريب وأقره الذهبي.
4301 (الدين) بكسر الدال (يسر) أي الإسلام ذو يسر أي مبني على التسهيل والتخفيف وهو بمعناه (ولن يغالب) في رواية ولن يشاد قال في مختصر الفتح : وسمي الدين يسرا مبالغة بالنسبة للأديان قبله لأنه تعالى رفع عن أهله الإصر الذي كان على من قبلهم ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم (1) وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم (الدين) أي لا يقاويه (أحد إلا غلبه) يعني لا يتعمق فيه أحد وترك الرفق ويأخذ بالعنف إلا غلبه الدين وعجز المتعمق وانقطع قال ابن حجر الدين منصوب على المفعولية وأضمر الفاعل للعلم به وحكى في المطالع أن أكثر الروايات برفع لا دين على أن يغالب أو يشاد بالبناء للمفعول وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب وجمع بينهما بأنه بالنسبة إلى روايات المغاربة والمشارقة ، قال ابن المنير : فيه علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع ، وليس المراد من أخذ بالأكمل في العبادة لأنه من الأمور المجموعة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبه النوم آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في جماعة أو إلى خروج الوقت المختار أو إلى طلوع الشمس (هب عن أبي هريرة) ورواه البخاري بلفظ إن الدين إلخ.
(1) ومنها قطع الأعضاء الخاطئة وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض وتعين القصاص في القتل وتحريم أخذ الدية وترك العمل في السبت وأن صلاتهم لا تجوز إلا في كنائسهم وغير ذلك من التشديدات ، شبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق أي في قوله تعالى * (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) *.
4302 (الدين النصيحة) أي عماده وقوامه النصيحة على وزان الحج عرفة فبولغ في النصيحة
(3/742)


حتى جعل الدين كله إياها وبقية الحديث كما في صحيح مسلم قالوا : لمن يا رسول الله قال لله وكتابه
ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم قال بعضهم : هذا الحديث ربع الإسلام أي أحد أحاديث أربعة يدور عليها وقال النووي : بل المدار عليه وحده ولما نظر السلف إلى ذلك جعلوا النصيحة أعظم وصاياهم قال بعض العارفين : أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم ويحفظهم وظاهر الخبر وجوب النصح وإن علم أنه لا يفيد في المنصوح ومن قبل النصيحة أمن الفضيحة ومن أبى فلا يلومن إلا نفسه (تنبيه) قال بعض العارفين : النصاح الخيط والمنصحة الأبرة والناصح الخائط والخائط هو الذي يؤلف أجزاء الثوب حتى يصير قميصا أو نحوه فينتفع به بتأليفه إياه وما ألفه إلا لنصحه والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله وبين ما فيه سعادتهم عند الله وبين خلقه وقال القاضي الدين في الأصل الطاعة والجزاء والمراد به الشريعة أطلق عليها لما فيها من الطاعة والانقياد (تخ عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وسلم (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد الشيخين وهو ذهول فقد عزاه هو نفسه في الدرر إلى مسلم من حديث تميم الداري وعزاه ابن حجر إلى مسلم وأبي داود وأحمد موصولا وإلى البخاري معلقا وعزاه النووي في الأذكار إلى مسلم.
4303 (الدين) بفتح الدال (شين الدين) بكسر الدال أي يعيبه قال الحرالي : الدين في الأمر الظاهر معاملة على تأخير كما أن الدين بالكسر فيما بين العبد وبين الله معاملة على تأخير وفي شرح الشهاب لما جمع الدين محاسن الإسلام ظاهرا وجمال الإيمان باطنا نهى عن شين هذا الجمال بالدين وذلك لشغل القلب بهمه وقضائه والتذلل للغريم عند لقائه وتحمل منته إلى تأخير أدائه وربما يعد بالوفاء فيخلف أو يحد ث الغريم بسببه فيكذب أو يحلف فيحنث أو يموت فيرتهن به (أبو نعيم في) كتاب (المعرفة عن مالك بن يخامر) بضم التحتية والمعجمة وكسر الميم الحمصي السكسكي قال الذهبي يقال له صحبة اه وقال أبو نعيم : لم تثبت ، وفيه عبد الله بن شبيب الربعي قال في الميزان : أخباري علامة لكنه واه وقال الحاكم : ذاهب الحديث وبالغ فضلك فقال : يحل ضرب عنقه وقال ابن حبان : يقلب الأخبار ثم ساق له هذا الخبر (القضاعي) في مسند الشهاب (عنه) أي عن مالك المذكور (عن معاذ) بن جبل وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال : مختلف فيه وليس
بالقوي لكن قال العامري في شرحه : حسن.
4304 (الدين) بفتح الدال المشددة (راية الله في الأرض) أي التي وضعها فيها لإذلال من شاء
(3/743)


إذلاله (فإذا أراد أن يذل عبدا) بين خلقه (وضعها في عنقه) وذلك بإيقاعه الاستدانة ويترتب عليها الذل والهوان ولهذا تكرر في عدة أحاديث استعاذة المصطفى صلى الله عليه وسلم منه ، فإن قيل إذا كان الدين كذلك فكيف استدان المصطفى صلى الله عليه وسلم قيل إنما تداين في ضرورة ولا خلاف في عدم ذمه للضرورة فإن قيل لا ضرورة لأن الله خيره أن يكون بطحاء مكة له ذهبا أجيب بأنه خيره فاختار الإقلال والقنع وما عدل عنه زهدا فيه لا يرجع إليه فالضرورة لازمة قال ابن العربي : والدين عبارة عن كل معنى يثبت في ذمة الغير للغير في الذمة مؤجل أو حال (ك) في البيع من حديث بشر بن عبيد الدريسي عن حماد عن أيوب عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم : على شرط مسلم ورده الذهبي فقال : بشر واه فالصحة من أين ؟ 4305 (الدين دينان) بفتح الدالين (فمن مات وهو) أي والحال أنه (ينوي قضاءه) أي وفاءه لصاحبه متى تمكن (فأنا وليه) أي أقضيه عنه مما يفئ الله بمن نحو غنيمة (ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك) أي المدين الذي لم ينو الوفاء (هو الذي يؤخذ من حسناته) يوم القيامة فيعطي لرب الدين فإنه (ليس يومئذ) أي يوم الحساب (دينار ولا درهم) يوفي به فإن لم تف به حسناته أخذ من سيئات خصمه فألقيت عليه ثم طرح في النار كما جاء في خبر أما من كانت نيته الوفاء متى تمكن فلا يتمكن فلم يؤخذ من حسناته لعدم تقصيره (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي : فيه محمد بن عبد الرحمن السلماني وهو ضعيف ورواه عنه أيضا الديلمي رمز المصنف لحسنه.
4306 (الدين) بفتح الدال (هم بالليل) فإن المديون إذا خلى بنفسه وتذكر أنه إذا أصبح طولب وضيق عليه ولم يجد للخلاص حيلة لم يزل طول ليله في غم وهم حتى حال النوم بأن يرى أحلاما منكدة من تلك الجهة (ومذلة بالنهار) لا سيما إذا كان خصمه ألد سئ التقاضي فهو البلاء الأكبر والموت
الأحمر والقصد بهذه الأخبار الإعلام بأن الدين مكروه لما فيه من تعريض النفس للمذلة فإن دعت إليه ضرورة فلا كراهة بل قد يجب ولا لوم على فاعله وأما بالنسبة إلى معطيه فمندوب لأنه من الإعانة على الخير (فر عن عائشة) ثم قال أعني الديلمي : وفي الباب أنس وغيره.
4307 (الدين) بالفتح (ينقص من الدين) بكسرها أي يذهب منه فإنه ربما جر إلى التسخط
(3/744)


بالقضاء أو إلى الاحتيال بتحصيل شئ من غير حله ليرضي به رب الدين أو نحو ذلك كله حط من الديانة (و) من (الحسب) بالتحريك أي أنه مزر به وهذا وما قبله مسوق للتنفير من الاستدانة والزجر عن مفارقة ما يؤدي إليها (فر عن عائشة) وفيه الحكم ابن عبد الله الأيلي قال الذهبي في الضعفاء متروك متهم بالوضع ورواه عنها أيضا أبو الشيخ [ ابن حبان ] ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى.
4308 (الدين) بالفتح (قبل الوصية) أي يجب تقديم وفائه على تنفيذها (وليس لوارث وصية) إلا أن يجيز الورثة ، والوصية لغة من وصلت الشئ وصلته سميت به لأنه وصل خير دنياه بخير عقباه وإذا أريد بها مايخرج من الثلث وهي المراد هنا والمبوب لها في الفقه فعرفت بأنها عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته (هق) من حديث يحيى بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عاصم بن حمزة (عن علي) أمير المؤمنين قال الذهبي في المهذب : ويحيى ضعيف اه وأخرجه الدارقطني عن علي يرفعه وفيه عاصم لينه ابن عدي عن شبيب بن شعبة ثقة له غرائب وشيخه يحيى بن أبي أنيسة تالف ذكره الغرياني وغيره وأخرجه الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر بمثله قال ابن حجر : وسنده ضعيف.
(3/745)


* حرف الذال 4309 (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا) أي قنع بالله ربا واكتفى به ولم يطلب غيره (وبالإسلام دينا) بأن لم يسع في غير طريقه قال الطيبي : ولا يخلو إما أن يراد بالإسلام الانقياد كما في حديث جبريل أو مجموع ما يعببالدين عنه في خبر بني الإسلام على خمس ويؤيد الثاني اقترانه
بالدين لأن الدين جامع بالاتفاق وعلى التقديرين هو عطف على قوله بالله ربا عطف عام على خاص وكذا قوله (وبمحمد رسولا) بأن لم يسلك إلا ما يوافق شرعه ومن كان هذا نعته فقد وصلت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه ، شبه الأمر الحاصل الوجداني من الرضا بالأمور المذكورة بمطعوم يستلذ به ثم ذكر المشبه به وأراد المشبه ورشح بقوله ذاق فإن قيل : الرضى بالثالث مستلزم للأولين فلم ذكرها ؟ قلنا : التصريح بأن الرضا بكل منهما مقصود قال الراغب : والذوق وجود الطعم في الفم وأصله فيما يقل تناوله وإذا كثر يقال له الأكل واستعمل في القرآن بمعنى وجود الإصابة إما في الرحمة نحو * (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة) * وإما في العذاب نحو * (ليذوقوا العذاب) * وقال غيره الذوق ضرب مثلا لما ينالونه عند المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الخير (حم م ت) في الإيمان (عن العباس بن عبد المطلب) ولم يخرجه البخاري.
4310 (ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين) شبه الذاكر الذي يذكر الله بين جماعة ولم يذكروا بمجاهد يقاتل الكفار بعد فرار أصحابه منهم فالذاكر قاهر لجند الشيطان وهازم له والغافل مقهور.
وقال ابن عربي : عليك بذكر الله بين الغافلين عن الله بحيث لا يعلم بك فتلك خلوة العارف بربه وهو كالمصلي بين النيام (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن مسعود) قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال الأوسط وثقوا وقضيته أن رجال الكبير لم يوثقوا فلو عزاه المصنف للأوسط لكان أحسن.
4311 (ذاكر الله في الغافلين مثل الذي يقاتل عن الفارين) لأن أهل الغفلة قد تعلقت قلوبهم
(3/746)


بالأسباب فاتخذوها دولا فصارت عليهم فتنة فإذا ذكر الله بينهم كان فيه ردا عليهم غيبتهم وجفرهم وسوء صنيعهم وإعراضهم عن الذكر فكان ذاكر الله فيهم كحامي الفئة المنهزمة فهو يطفئ ثائرة غضب الله على من أعرض عن ذكره * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) * ومن ثمة شرع لداخل السوق الذي هو محل الغفلة الذكر المشهور ورتب عليه ذلك الجزاء العظيم الذي لم يقع مثله في حديث صحيح إلا قليلا (وذاكر الله في الغافلين) كرره ليناط به في كل مرة ما لم ينط به أولا ، ذكره الطيبي (كالمصباح في البيت المظلم) شبه الذاكر بالسراج الذي يستضئ به أهل البيت
ويهتدون به إلى المصالح ويحترزون بضوئه من الهوام (وذاكر الله في الغافلين كمثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي قد تحات من الصريد الضريب) 1) أي تتساقط من شدة البرد والضريب الصقيع ويروى من الجليد شبه الذاكر بالغصن الأخضر الذي يعد للإثمار والغافل باليابس الذي يهيأ للإحراق ذكره القاضي.
قال الحكيم : فكذلك أهل الغفلة أصابهم حريق الشهوات فذهبت ثمار القلوب وهي طاعة الأركان فالذاكر قلبه رطب بذكره فلم يضره قحط ولا برد وأما أهل الغفلة كأهل الأسواق فالحرص فيهم كامن وكلما ازداد الواحد منهم طلبا ازداد حرصا فأقبل العدو فنصب كرسيه في وسط أسواقهم وركز رايته وبث جنوده فحملهم على الغفلة فأضاعو الصلاة ومنعوا الحقوق فأهل الغفلة على خطر عظيم من نزول العذاب والذاكر ببينهم يرد غضب الله فيدفع بالذاكر عن الغافل وبالمصلي عمن لا يصلي (وذاكر الله في الغافلين يعرفه الله مقعده من الجنة) أي في الدنيا بأن يكشف له عنه فيراه أو يرى له أو في القبر (وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل فصيح وأعجمي) فالفصيح بنو آدم والأعجمي البهائم هكذا ذكره متصلا مخرجه أبو نعيم فما أدري أهو من تتمة الحديث أو من تفسيره الراوي ، شبه الذاكر بشجرة خضراء لها منظر بين الأشجار سقياها من فيض العطوف الغفار فهي رطبة بذكره لينة بفضله وأهل الغفلة بأشجار جفت فسقط ورقها ويبست أغصانها لأن حريق الشهوة أصابهم فذهبت ثمار القلوب وهي طاعة الأركان وذهبت طلاوة الوجوه وسمتها وسكون النفوس وهديها فلم يبق ثمر ولا ورق وما بقي من أثمر فمر أو حلو لا طعم له كدر اللون عاقبته التخمة فهي أشجار بهذه الصفة (حل) وكذا البيهقي في الشعب (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف أي وذلك لأن فيه عمران بن مسلم القصير قال في الميزان : قال البخاري منكر الحديث ثم أورد له هذا الخبر.
(1) [ كلمة " الضريب " لم ترد في متن الجامع الصغير ولا في الفتح الكبير للنبهاني.
دار الحديث ] 4312 (ذاكر الله) شهر (رمضان مغفور له) من الله وسكت عن الفاعل للعلم به (وسائل الله

(3/747)

فيه) شيئا من الخير في الدين أو الدنيا (لا يخيب) بفتح أوله أو ضمه وإنما قال ذاكر الله في رمضان ولم يقل ذاكر الله وهو صائم ليبين شمول الحكم لليل.
(طس هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه هلال بن عبد الرحمن وهو ضعيف وقال الذهبي في الضعفاء : منكر الحديث وأقول : فيه أيضا عبد الله بن علي بن جدعان قال الدارقطني : لا يزال عندي فيه لين وقال الذهبي في الضعفاء : قال أحمد ويحيى ليس بشئ وأبو زرعة : غير قوي.
4313 (ذاكر الله خاليا) أي في محل خال لا يطلع عليه فيه إلا الله والحفظة (كمبارزة إلى الكفار من بين الصفوف خاليا) أي ليس معه أحد فذكر الله في الخلوات يعدل في الثواب جوده بنفسه في القتال في الفلوات وهذا التنويه عظيم بفضل الذكر ومن ثمة كانت جميع العبادات تزول يوم القيامة إلا الذكر قال الإمام الرازي : جميع التكاليف الظاهرة من صلاة أو غيرها تزول في عالم القيامة إلا الذكر والتوحيد لدلالة القرآن على مواظبتهم على الحمد والمواظبة عليه مواظبة عليهما قال الغزالي قال بعض المكاشفين ظهر لي الملك فسألني أن أملي عليه شيئا من ذكري الخفي عن مشاهدتي من التوحيد وقال : ما نكتب لك عملا ونحن نحب أن نصعد لك بعمل تتقرب به إلى الله فقلت : ألستما تكتبان الفرائض قالا : بلى قلت فيكفيكما ذلك قال الغزالي : وذا إشارة إلى أن الكاتبين لا يطلعان على أسرار القلب إنما يطلعان على الأعمال الظاهرة (الشيرازي في) كتاب (الألقاب عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض له ولده.
4314 (ذبح الرجل أن تزكيه في وجهه) أي تزكيته في وجهه بمنزلة الذبح له إذا جعل ذلك المادح وسيلة إلى طلب شئ منه فإنه تلجئه شدة الحياء إلى الإجابة كرها فيتألم لذلك تألما يكاد أن يضاهي تألم المذبوح (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (الصمت) أي السكوت (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي) هو إما بفتح المثناة الفوقية وفتح المثناة التحتية نسبة إلى تيم بالتحريك بطن من غافق أو بفتح الفوقية وسكون التحتية نسبة إلى قبيلة تيمة بالسكون وهو الزاهد العابد (مرسلا) أرسل عن عائشة وغيرها.
4315 (ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله) عند الذبح (أو لم يذكر إنه إن ذكر لم يذكر إلا
(3/748)


اسم الله) احتج به من ذهب إلى عدم وجوب التسمية على الذبيحة وهم الجمهور فقالوا : هي سنة لا واجبة والمذبوح حلال سواء تركها سهوا أو عمدا وفرق أحمد بين العامد والناسي ومال إليه الغزالي في الإحياء حيث قال : في مراتب الشبهات المرتبة الأولى ما يتأكد الاستحباب في التورع عنه وهو ما يقوى فيه دليل المخالف فمنه التورع عن أكل متروك التسمية فإن الآية أي وهي * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * ظاهرة في الإيجاب والأخبار متواترة بالأمر بها لكن لما صح قول المصطفى صلى الله عليه وسلم المؤمن يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم يحتمل كونه عاما موجبا لصرف الأية والأخبار عن ظاهر الأمر ويحتمل تخصيصه بالناسي والثاني أولى إلى هنا كلامه.
وهذا الحديث الذي حكم بصحته بالغ النووي في إنكاره وقال : هو مجمع على ضعفه قال : وقد خرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وقال : منكر لا يحتج به (د في مراسيله عن الصلت) بفتح المهملة وسكون اللام وآخره مثناة السدوسي مولى سويد بن منجون (مرسلا) قال عبد الحق : هو مع إرساله ضعيف قال ابن القطان : وعليه إن الصلت لا يعرف حاله قال ابن حجر في التخريج : رواه البيهقي من حديث ابن عباس موصولا وفي سنده ضعف وأعله ابن الجوزي بمغفل بن عبد الله فزعم أنه مجهول فأخطأ لكن قال البيهقي : الأصح وقفه على ابن عساكر وقال في الفتح : الصلت ذكره ابن حبان في الثقات وهو مرسل جيد أما كونه يبلغ درجة الصحة فلا.
4316 (ذبوا) أي امنعوا وادفعوا (عن أعراضكم) بفتح الهمزة (بأموالكم) تمامه عند مخرجه الخطيب قالوا : يا رسول الله كيف نذب بأموالنا عن أعراضنا قال : تعطون الشاعر ومن تخافون لسانه اه بلفظه (خط عن أبي هريرة ، ابن لال) أبو بكر (عن عائشة) ورواه عنها الديلمي أيضا.
4317 (ذراري المسلمين) أي أطفالهم من الذر بمعنى التفريق لأن الله فرقهم في الأرض أو من الذرء بمعنى الخلق (يوم القيامة تحت العرش) أي في ظله يوم لا ظل إلا ظله (شافع) أي كل منهم شافع عند الله فيمن أذن له (ومشفع) أي مقبول الشفاعة غير مردودها (من لم يبلغ اثنتي عشرة سنة) بدل مما قبله أو خبر مبتدأ محذوف تقديره وهم ، قال تعالى * (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) * قال علي وابن عمر رضي الله عنهم : هم أطفال المسلمين قال المصنف : ثم إذا دخلوا الجنة
كانوا مع أرفع الأبوين مكانا وخير الوالدين فضلا وإحسانا (ومن بلغ ثلاث عشرة سنة فعليه وله) أي
(3/749)


فعليه وزر ما فعل بعد البلوغ من المعاصي وله أجر ما فعل من الطاعات وظاهره أن التكليف منوط ببلوغ هذا السن لكن مذهب الشافعية أن البلوغ وجريان القلم إما بالاحتلام أو ببلوغ خمس عشرة سنة (أبو بكر) الشافعي (في الغيلانيات وابن عساكر) في التاريخ (عن أبي أمامة) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي فما أوهمه عدول المصنف لذينك من أنه لا يوجد لأحد من المشاهير غير سديد ثم إن فيه ركن الشامي قال في الميزان : وهاه ابن المبارك وقال النسائي والدارقطني : متروك ثم ساق هذا الخبر وفي اللسان عن الحاكم أنه يروي أحاديث موضوعة.
4218 (ذراري المسلمين) أي أرواح أطفالهم (في عصافير خضر) تعلق (في شجر الجنة يكفلهم أبوهم إبراهيم) الخليل عليه السلام وفي رواية وسارة امرأته قال المصنف : وروى ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود وهو كمرفوع السند أن أطفال المسلمين ملوك في الجنة أما ذراري الكفار ففيهم ثلاثة أقوال قال النووي وهو قول الأكثر : إنهم في النار إذ الغالب أن ولد اليهودي يتهود وولد النصراني يتنصر وولد المسلم يسلم لما غلب على الطبائع من التقليد والحرص على المألوف والميل إلى متابعة الآباء وتعظيم شأنهم وترويج آدابهم فحكمنا بإسلام ولد المسلم وترقبنا خلاصه وسحبنا كفر الكافر على ولده وخفنا عليه بناء على هذا الأمر الظاهر وإن احتمل غيره كما يتوقع الخلاص للصالح المذعن ويخاف على الفاسق المتمرد إن جاز عكسه.
الثاني : أنهم في الجنة وصححه النووي لخبر إبراهيم حين رآه في الجنة وحوله أولاد الناس وأما حديث البخاري الله أعلم بما كانوا عاملين فلا تصريح فيه بأنهم في النار الثالث الوقف ورجحه البيضاوي فقال : الثواب والعقاب ليسا بالأعمال وإلا لزم كون الذراري لا في الجنة ولا في النار بل موجبهما اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم في الأزل فالواجب في حقهم الوقف فمنهم من سبق القضاء بأنه سعيد حتى لو عاش عمل بعمل أهل الجنة ومنهم بالعكس اه (ص عن مكحول مرسلا).
4319 (ذراري المسلمين) في الجنة كما في رواية أحمد (يكفلهم إبراهيم) الخليل زاد في الرواية
المارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة ومر أن الأرواح تتفاوت في المقر أعظم تفاوت بحسب مقاماتها ومراتبها قال المصنف : ورد في حديث أن في الجنة شجرة من خير الشجر لها ضروع كضروع البقر فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضعوا منها قال : وروى ابن أبي حاتم عن خالد أن السقط يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى يوم القيامة (أبو بكر ابن أبي داود) كتاب (البعث عن أبي
(3/750)


هريرة) قضية صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأشهر ولا أعلى ممن عزاه إليه وإلا لما أبعد النجعة واقتصر عليه وهو تقصير فقد رواه الإمام أحمد باللفظ المزبور ورواه الحاكم والديلمي وابن عساكر.
4320 (ذروة الإسلام) أي أعلاه (أربع خصال الصبر للحكم) أي حبس النفس على كريه يتحمله أو لذيذ يفارقه انقيادا لقضاء الله (والرضا بالقدر) بالتحريك أي بما قدره الله في الأزل بأن يترك الاختيار وتطمئن نفسه على الواقع به لا يلتمس تقدما ولا تأخرا ولا يستزيد مزيدا ولا يستبدل حالا (والإخلاص للتوكل) أي إفراد الحق سبحانه في التوكل عليه وتفويض سائر أموره إليه والاستسلام للرب أي الانقياد إليه في أحكامه من الأوامر والنواهي وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي نعيم ولولا ثلاث خصال صلح الناس شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه.
(حل عن أبي الدرداء) ورواه عنه أيضا الديلمي.
4321 (ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله) بقصد إعلاء كلمة الله والذروة من كل شئ أعلاه وسنام الشئ أعلاه فالجمع بينهما هنا للمبالغة (لا يناله إلا أفضلهم) يعني أفضل المسلمين المدلول عليه بلفظ الإسلام فإن جاد بنفسه لله فهو أفضلهم بلا نزاع (طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لصحته وهو غير صواب فقد أعله الهيثمي بأن فيه علي بن يزيد وهو ضعيف اه فالحسن فضلا عن الصحة من أين ؟.
4322 (ذر الناس يعملون) ولا تطمعهم في ترك العمل والاعتماد على مجرد الرجاء (فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) ودخول الجنة وإن كان إنما هو بالفضل لا
بالعمل فرفع الدرجات فيها بالأعمال (والفردوس) أي وجنة الفردو س (أعلاها درجة وأوسطها وفوقها عرش الرحمن) فهو سقفها (ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس) قال ابن القيم : أنزه الموجودات وأظهرها وأنورها وأعلاها ذاتا وقدرا عرش الرحمن وكل ما قرب إلى العرش كان أنور وأرهز فلذا كان الفردوس أعلا الجنان وأفضلها (حم ت عن معاذ) بن جبل.
(3/751)


4323 (ذروا الحسناء العقيم) أي التي لا تلد (وعليكم بالسوداء الولود) كان القياس مقابلة الحسناء بالقبيحة لكن لما كان السواد مستقبحا عند أكثر الناس قابله به وزاد أبو يعلى في روايته فإني مكاثر بكم الأمم حتى بالسقط يظل محنطئا بباب الجنة فقال له : ادخل الجنة فيقول : حتى يدخل والدي معي (عد) وكذا الموصلي والديلمي (عن ابن مسعود) وفيه حسان بن الأزرق ضعفه الدارقطني وغيره وأورد له ابن عدي ثمانية عشر حديثا مناكير وعد هذا منها ونقله عنه في الميزان وقال في اللسان : قال ابن عدي : لا يتابع عليها والضعف على الحديث بين اه.
وبه يعرف أن سكوت المصنف على عزوه لابن عدي وحذفه من كلامه إعلاله غير صواب.
4324 (ذروا العارفين المحدثين) بفتح الدال اسم مفعول جمع محدث بالفتح أي ملهم وهو من ألقى في نفسه شئ على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى (من أمتي لا تنزلوهم الجنة ولا النار) أي لا تحكموا لهم بإحدى الدارين (حتى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة) يظهر أن المراد بهم المجاذيب ونحوهم الذين يبدو منهم ما ظاهره يخالف الشرع فلا يتعرض لهم بشئ ويسلم أمرهم إلى الله (خط) من حديث أيوب بن سويد عن سفيان عن خالد عن عبد الله بن مسور عن محمد بن الحنفية (عن) أبيه (علي) أمير المؤمنين وأيوب قال الذهبي في الكاشف : ضعفه أحمد وغيره وابن المسور قال في الميزان : غير ثقة وقال أحمد وغيره : أحاديثه موضوعة وقال النسائي والدارقطني : متروك ثم أورد له مما أنكر عليه هذا الخبر.
4325 (ذروني) أي اتركوني من السؤال (ما تركتكم) أي مدة تركي إياكم من الأمر بالشئ والنهي عنه فلا تتعرضوا لي بكثرة البحث عما لا يعينكم في دينكم مهما أنا تارككم لا أقول لكم شيئا فقد يوافق ذلك إلزاما وتشديدا وخذوا بظاهر ما أمرتكم ولا تستكشفوا كما فعل أهل الكتاب ولا
تكثروا من الاستقصاء فيما هو مبين بوجه ظاهر وإن صلح لغيره لإمكان أن يكثر الجواب المرتب عليه فيضاهي قصة بقرة بني إسرائيل شددوا فشدد عليهم فخاف وقوع ذلك بأمته ومن ثمة علله بقوله (فإنما هلك من كان قبلكم) من أمم الأنبياء (بكثرة سؤالهم) إياهم عما لا يعنيهم (واختلافهم) بالضم لأنه أبلغ في ذم الاختلاف إذ لا تقييد حينئذ بكثرة السؤال بخلاف ما لو جر هذا ما جرى عليه بعض الشارحين وقال بعضهم : واختلاف عطف على الكثرة لا على السؤال لأن الاختلاف على الأنبياء حرام قل أو كثر وأثر تركتكم على ذرتكم ماضي ذروني لأن العرب لم تستعمله إلا في الشعر اغتناء عنه بترك كودع ماضي يدع (على أنبيائهم) فإنهم استوجبوا بذلك اللعن والمسخ وغير ذلك من البلايا والمحن وكثرة السؤال
(3/752)


لتفرق القلوب ووهن الدين ومشعر بالعنت وأكثره مما ألبس فتنة أو شرب وأعقب عقوبة فلا ملجأ لما قيل إن النهي يخص زمن النبي صلى الله عليه وسلم من خوف تحريم أو إيجاب يشق لا يقال السؤال مأمور به بنص * (فاسألوا أهل الذكر) * فكيف يكون مأمورا منهيا لأنا نقول إنما هو مأمور فيما يأذن المعلم في السؤال عنه والحاصل أن من الناس من فرطفسد باب المسائل حتى قل فهمه وعلمه ومنهم من أفرط فتوسع حتى أكثر الخصومة والجدل بقصد المغالية وصرف وجوه الناس إليه حتى تفرقت القلوب وانشحنت بالبغضاء ومنهم من اقتصد فبحث عن معاني الكتاب والسنة والحلال والحرام والرقائق ونحوها مما فيه صفاء القلوب والإخلاص لعلام الغيوب وهذا القسم محبوب مطلوب والأولان مذمومان وبذلك عرف أن ما فعله العلماء من التأصيل والتفريع والتمهيد والتقرير في التأليفات مطلوب مندوب بل ربما كان واجبا شكر الله سعيهم قال ابن حجر : وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما ينذر سيما في المختصرات ليسهل تناوله (فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه) وجوبا في الواجب وندبا في المندوب (ما استطعتم) أي أطقتم لأن فعله هو إخراجه من العدم إلى الوجود وذلك يتوقف على شرائط وأسباب كالقدرة على الفعل ونحوها وبعضه لا يستطاع وبعضه له فلا جرم يسقط التكليف بما لا يستطاع إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وبدلالة الموافقة له يخص عموم * (وما آتاكم الرسول فخذوه) * ويؤخذ منه كما قال النووي في الأذكار : ينبغي لمن بلغه شئ من فضائل
الأعمال أن يعمل به ولو مرة ليكون من أهله ولا يتركه مطلقا بل يأتي بما تيسر منه لهذا الخبر (وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه) أي دائما على كل تقدير ما دام منهيا عنه حتما في الحرام وندبا في المكروه إذ لا يتمثل مقتضى النهي إلا يترك جميع جزئياته وإلا صدق عليه أنه عاص أو مخالف وهذا موافق لآية * (فاتقوا الله ما استطعتم) * وأما * (اتقوا الله حق تقاته) * فقيل نسخ وقيل تلك مفسرة لهذه.
قال النووي : هذا الحديث من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن أو شرط فيأتي بمقدوره وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والإمساك في رمضان لمفطر بعذر قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك (حم م ن ه عن أبي هريرة) قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وليس كذلك بل رواه البخاري في الاعتصام عن أبي هريرة قال المناوي : وألفاظهما متقاربة.
4326 (ذكاة الجنين) بالرفع مبتدأ والخبر قوله (ذكاة أمه) أي ذكاة أمه ذكاة للأنه جزء منها وذكاتها ذكاة لجميع أجزائها وروي بالنصب على الظرفية كجنت طلوع الشمس أي وقت طلوعها يعني
(3/753)


ذكاته حاصلة وقت ذكاة أمه.
قال الخطابي وغيره : ورواية الرفع هي المحفوظة وأيا ما كان فالمراد الجنين الميت بأن خرج ميتا أو به حركة مذبوح على ما ذهب إليه الشافعي ويؤيده ما جاء في بعض طرق الحديث من قول السائل : يا رسول الله إنا ننحر الإبل ونذبح البقر والشاة فنجد في بطنها الجنين فنلقيه أو نأكله فقال : كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه فسؤاله إنما هو عن الميت لأنه محل الشك بخلاف الحي الممكن الذبح فيكون الجواب عن الميت ليطابق السؤال ومن البعيد تأويل أبي حنيفة بأن المعنى على التشبيه أي مثل ذكاتها أو كذكاتها فيكون المراد الحي لحرمة الميت عنده ووجه بعده ما فيه من التقدير المستغنى عنه ومن ثمة وافق صاحباه الشافعي قال ابن المنذر : لم يرو عن أحد من الصحابة والعلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف ذكاته إلا عن أبي حنيفة.
(د ك عن جابر) بن عبد الله (حم د ت) وحسنه (ه حب قط عن أبي سعيد) الخدري (ك عن أبي أيوب وعن أبي هريرة طب عن أبي أمامة وأبي الدرداء
وعن كعب بن مالك) قال الغزالي : صح صحة لا يتطرق احتمال إلى منته وإلى ضعف في سنده وهو فيه متابع لإمامه فإنه ذكره في الأساليب وقال الحاكم : صحيح الإسناد.
قال الزين العراقي : وليس كذلك قال عبد الحق : لا يحتج بأسانيده كلها اه قال ابن حجر : الحق أن فيها ما تنتهض به الحجة اه قال العراقي : ورواه الطبراني في الأوسط بسند جيد اه.
فكان ينبغي للمصنف عدم إغفاله فإنه ليس فيما ذكره مثله بل الكل معلول أما حديث جابر ففيه عبد الله بن أبي زياد القداح عن أبي الزبير القداح ضعيف وحديث أبي سعيد من طريق مجاهد عن أبي الوداك عنه قال ابن حزم : حديث واه فإن مجاهدا ضعيف وكذا أبو الوداك وقال ابن القطان : لا يحتج بأسانيده يفيده إلا أن الحجة تقوم بمجموع طرفة كما بينه ابن حجر أتم بيان وأقام عليه البرهان على أن في الباب أيضا أبو أمامة وأبو الدرداء وأبو هريرة وعلي وابن مسعود وأبو أيوب والبزار وابن عمر وابن عباس وكعب وغيرهم ولما نظر إلى ذلك ابن حبان أقدم وصححه وتبعه القشيري وغيره.
4327 (ذكاة الجنين إذا أشعر) أي نبت له الشعر وأدرك بالحاسة (ذكاة أمه) أي تذكية أمه مغنية عن تذكيته إذا خرج بعد إشعاره (ولكنه يذبح) أي ندبا كما يفيده السياق (حتى ينصاب ما فيه من الدم) فذبحه ليس إلا لإنقائه من الدم لا يكون الحل متوقفا عليه وهذه التفرقة لم يأخذ بقضيتها الشافعية والحنفية معا بل الشافعية يقولون : إن ذكاة أمه مغنية عن ذكاته مطلقا والحنفية لا مطلقا وهذا يعارضه حديث الدارقطني عن ابن عمر مرفوعا ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر وفيه مبارك بن مجاهد مضعف (ك) في الأطعمة (عن ابن عمر) وظاهر صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد
(3/754)


من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف ، وكأنه ذهول فقد خرجه أبو داود باللفظ المزبور من حديث جابر.
4328 (ذكاة) جلود (الميته دباغها) أي اندباغها بما ينزع الفضول فالاندباغ يقوم مقام الذكاة في الطهارة كما بينه رواية ذكاة الأديم دباغه (ن عن عائشة) قال الديلمي : وفي الباب ابن عباس وغيره
ورواه الدارقطني من عدة طرق بألفاظ مختلفة ثم قال : أسانيدها صحاح.
4329 (ذكاة كل مسك دباغه) بما ينزع فضوله وهذا نجس الجلد بالموت فخرج جلد المغلظ فإنه لا يطهر بالدباغ والمسك بفتح الميم وسكون السين الجلد والجمع مسوك كفلس وفلوس (ك) في الأطعمة (عن عبد الله بن الحريث) مصغر حرث بمثلثة قال الحاكم : صحيح وأقره الذهبي.
4330 (ذكر الله شفاء القلوب) مما يلحقها من ظلمة الذنوب ويدنسها من درن الغفلة ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أكمل الناس ذكرا بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه أمره ونهيه وتشريعه وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده وتمجيده وتسبيحه وتحميده ورغبته ورهبته ذكرا منه بلسانه وصمته وذكر منه بقلبه في كل أحيانه (تنبيه) قال الراغب ذكر الله تارة يكون لعظمته فيتولد منه الهيبة والإجلال وتارة لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن وتارة لفضله ورحمته فيتولد منه الرجاء وتارة لنعمته فيتولد منه العز فحق المؤمن أن لا ينفك أبدا عن ذكره على أحد هذه الوجوه (فر عن أنس) بن مالك.
4331 (ذكر الأنبياء من العبادة وذكر الصالحين) أي القائمين بما وجب عليهم من حقوق الحق والخلق (كفارة) للذنوب (وذكر الموت صدقة) أي يؤجر عليه كما يؤجر على الصدقة (وذكر القبر) أي أحواله وأهواله (يقربكم من الجنة) لأن ذلك من أعظم المواعظ وأشد الزواجر عن المعاصي وأبعث على فعل الطاعات ولا يقرب إلى الجنة إلا ذلك وظاهر صنيع المصنف أن ذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي وذكر النار من الجهاد وذكر القيامة يباعدكم من النار وأفضل العبادة ترك الحيل ورأس مال العالم ترك التكبر وثمر الجنة ترك الحسد والندامة من الذنوب التوبة الصادقة اه فاقتصار المصنف على هذه القطعة غير جيد (فر عن معاذ) بن جبل وفيه محمد بن محمد
(3/755)


الأشعث قال الذهبي : اتهمه ابن عدي أي بالوضع وكذبه الدارقطني والوليد بن مسلم ثقة مدلس ومحمد بن راشد قال النسائي ليس بالقوي.
4332 (ذكر علي) بن أبي طالب (عبادة) أي عبادة الله التي يثيب عليها والمراد ذكره بالترضي
عنه أو بذكر مناقبه وفضائله أو بنقل كلامه وتقرير مواعظه وأذكاره وأحكامه أو برواية الحديث عنه أو نحو ذلك (فرعن عائشة) وفيه الحسن بن صابر قال الذهبي : قال ابن حبان منكر الحديث.
4333 (ذكرت) بصيغة الفاعل (وأنا في الصلاة تبرا) بكسر فسكون الذهب لم يصف ولم يضرب (عندنا فكرهت أن يبيت عندنا فأمرت بقسمته) قبل المساء وفي رواية فقسمته وفيه أن التفكر في الصلاة فيما لا يتعلق بها لا يفسدها ولا ينقص كمالها وأن إنشاء العزم في أثنائها على ما يجوز لا يضر وإطلاق الفعل على الأمر وحل الاستنابة مع التمكن من المباشرة (حم خ عن عتبة) بضم المهملة وسكون الفوقية (بن الحارث) بمثلثة بن عامر بن نوفل النوفلي المكي من مسلمة الفتح.
4334 (ذمة المسلمين واحدة) أي هي كشئ واحد لا تختلف باختلاف المراتب ولا يجوز نفضها بتفرد العاقد بها.
قال القاضي : والذمة العهد سمي به لأنه يذم متعاطيه على إضاعته وقال غيره : الذمة ما يذم على إضاعته من عهد أو أمان ومنه سمي المعاهد ذميا (فإذا جارت عليهم جائرة) أي إذا أجار واحد من المسلمين شريف أو وضيع كافرا أي أعطاه ذمته (فلا تخفروها) بخاء معجمة وراء وهو بضم التاء وكسر الفاء أصوب من فتح التاء وضم الفاء أي لا تنقضوا عهده وأمانه بل امضوا وإن كان عبدا أو ضعيفا أو أنثى (فإن لكل غادر لواء) زاد في رواية عند استه (يعرف به يوم القيامة) والمراد النهي عن نقضها وأن من نقض ذمة غيره فكأنه نقض ذمة نفسه (ك عن عائشة) ورواه عنه أبو يعلى باللفظ المزبور قال الهيثمي : وفيه محمد بن سعد وثقه ابن حبان وضعفه أبو زرعة وبقية رجاله رجال الصحيح.
4335 (ذنب العالم واحد وذنب الجاهل ذنبان) وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه وهو ذهول بل بقيته عند مخرجه الديلمي قيل : ولم يا رسول الله قال : العالم يعذب على ركوبه
(3/756)


الذنب والجاهل بعذب على ركوبه الذنب وترك العلم اه بلفظه فاقتصار المصنف على أوله وتركه ما هو بيان وشرح له من سوالتصرف وهذا قد يعارضه الحديث الآتي ويل لمن لا يعلم ولو شاء الله لعلمه واحد من الويل وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع من الويل (فر عن ابن عباس) وفيه جويبر بن سعيد قال الذهبي : قال الدارقطني وغيره متروك.
4336 (ذنب لا يغفر) أي الذنب الذي هو الجرم بحسب المغفرة على ثلاثة أقسام الأول ذنب لا يغفره الله تعالى بمعنى أنه تعالى حكم بأنه لا يدخل صاحبه الجنة بل يخلده في النار (و) الثاني (ذنب لا يترك) بضم أوله أي لا يهمله الله ولا يضيعه عملا بقضية ما أوجبه على نفسه وأمر به عباده إقامة من ناموس العدل (و) الثالث (ذنب يغفر) بالبناء للمفعول أي يرجى أن يغفره الله تعالى بالاستغفار والتوبة وقد يغفره بدون ذلك أيضا على مذهب أهل الحق (فأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك بالله) ومصداقه * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * (وأما الذي يغفر فذنب العبد) الذي (بينه وبين الله عز وجل) من حقوق الله تعالى أي فالعفو يسارع إليه والتكفير يتطرق له لأنه حق أكرم الأكرمين (وأما الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا) فأكثر ما يدخل الموحدين النار مظالم العباد فديوان العباد هو الديوان الذي لا يترك أي لا يهمل فهذا القسم يحتاج إلى التراد إما في الدنيا بالاستحلال أو رد العين وإما في الآخرة برد ثواب الظالم إليه أو أنه تعالى يرضي المظلوم بفضله وكرمه ولطفه كما في حديث عرفة (طب) وكذا في الصغير (عن سلمان) الفارسي قال الهيثمي : فيه يزيد بن سفيان بن عبد الله بن رواحة ضعيف تكلم فيه ابن حبان وغيره وبقية رجاله ثقات وفي الميزان يزيد بن سفيان له نسخة منكرة تكلم فيها ابن حبان ومن مناكبره هذا الخبر وساقه كما هنا وبه يعرف وهم المصنف في رمزه لصحته.
4337 (ذنب يغفر وذنب لا يغفر وذنب يجازى به فأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك بالله) * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * (وأما الذنب الذي يغفر فعملك) الذي (بينك وبين ربك) أي مالكك (وأما الذنب الذي يجازى به فظلمك أخاك) أي في الإسلام فإن الله سبحانه لا يظلم مثقال ذرة وفي بعض الآثار إن العبد ليوقف بين يدي الله وله من الحسنات أمثال الجبال ولو سلمت له
(3/757)


لكان من أهل الجنة فيقوم أصحاب المظالم ويكون قد سب هذا وأخذ مال هذا وضرب هذا فينقص من حسناته فتقول الملائكة ربنا فنيت حسناته وبقي مطالبون فيقال ألقوا من سيئاتهم على سيئاته وصكوا به صكا في النار (طس عن أبي هريرة) قال الهيثمي : فيه طلحة بن عمرو وهو
متروك.
4338 (ذهاب البصر) أي العمى إذا طرأ على الإنسان (مغفرة للذنوب) التي كان عملها ، ظاهره يتناول الكبائر (وذهاب السمع) أي الصمم إذا عرض للمرء (مغفرة للذنوب) كذلك (وما نقص من الجسد) كقطع يد أو رجل (فعلى قدر ذلك) أي بحسبه وقياسه (عد خط) وأبو نعيم كلهم جميعا من طريق داود بن الزبرقان عن مطر الوراق عن هارون بن عنترة عن عبد الله بن السائب عن زاذان (عن ابن مسعود) قضية صنيع المصنف أن مخرجه سكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه ابن عدي بقوله : هذا منكر المتن والإسناد وهارون بن عنترة لا يحتج به وداود بن الزبرقان ليس بشئ اه ولهذا حكم ابن الجوزي بوضعه وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات.
4339 (ذهب الم فطرون اليوم) أي يوم كان الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فصام قوم فلم يصنعوا شيئا لعجزهم عن العمل وأفطر قوم فبعثوا الركاب وعالجوا فبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم ذهبوا (بالأجر) أي الوافر قال الطيبي : فيه من المبالغة ما فيه أي أنهم مضوا واستصحبوا معهم الأجر ولم يتركوا لغيرهم منه شيئا اه.
وهو أجر ما فعلوه من خدمة الصائمين بضرب الأبنية والسقى وغير ذلك لما حصل منهم النفع المتعدي ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام وأما الصائمون فحصل لهم أجر الصوم التام ولم يحصل لهم من الأجر ما حصل للمفطرين وليس المراد نقص أجر الصوام بل أن المفطرين أجرهم أعظم لقيامهم بوظائف الوقت فاللام للعهد ويحتمل كونها للجنس وتفيد المبالغة بأن يبلغ أجرهم مبلغا ينغمر فيه أجر الصوام فيجعل كأن الأجر كله للمفطر كما يقال زيد الشجاع وفيه أن الفطر في السفر أولى (حم ق ن) في الصوم (عن أنس) بن مالك.
4340 (ذهبت النبوة) اللام للعهد والمراد نبوته (وبقيت المبشرات) بكسر الشين المعجمة جمع مبشرة وهي البشرى وفسرها في الخبر الآتي بأنها الرؤيا الصالحة قيل وللآدمي روحان فإذا نام خرجت روح فأتت الحميم والصديق والبعيد والقريب فما كان منها في ملكوت السماوات فهي الصادقة وما في الهواء فأضغاث قال ابن التين : معنى الحديث أن الوحي انقطع بموت المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله
(3/758)


وسلم ولم يبق ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا وتقع لغير الأنبياء وقد أخبر كثير من الأنبياء والأولياء عن أمور فكانت كذلك وجوابه أن الإلهام نادر وخاص فلا يرد (ه عن أم كرز) بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي الكعبة ورواه عنها أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان والبزار وقال : لا نعلمه يروى عنها إلامن هذا الوجه ورواه البخاري في تاريخه الأوسط باللفظ المزبور عن أبي الطفيل مرفوعا.
4341 (ذهبت النبوة فلا نبوة من بعدي) أي بعد وفاتي (إلا المبشرات الرؤيا الصالحة) يدل مما قبله أو خبر مبتدأ محذوف أي وهي الرؤيا الصالحة (يراها الرجل) يعني الإنسان ذكر الرجل وصف طردي (أو ترى) بالبناء للمفعول أي يراها غيره من الناس لآه قال الحافظ في الفتح : ظاهر الاستثناء مع ما تقدم ويجئ من أن الرؤيا جزء من النبوة أن الرؤيا نبوة وهو غير مراد لأن جزء الشئ لا يستلزم ثبوت وصفه له كمن قال أشهد أن لا إله إلا الله رافعا بها صوته لا يسمى مؤذنا ولا يقال إنه أذن وإن كان جزءا من الأذان وكل من قرأ قائما لا يسمى مصليا وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة ثم أن الرؤيا الصالحة وإن اختصت غالبا بأهل الصلاح لكن قد يقع لغيرهم قال علماء التعبير : إذا رأى كافر أو فاسق رؤيا صالحة كانت بشرى بهدايته أو توبته أو إنذار من بقائه على حاله وقد يرى ما يدل على الرضى بما هو فيه ابتلاء وغرورا ومكرا نعوذ بالله.
(طب عن حذيفة) بضم المهملة الأولى (بن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري صحابي من أصحاب الشجرة ورواه عنه أيضا البزار باللفظ المزبور قال الهيثمي : رجال الطبراني رجال الصحيح ومن ثمة رمز المصنف لصحته.
4342 (ذهبت العزى) بضم المهملة وشدة الزاي المفتوحة (فلا عزى بعد اليوم) أراد به الصنم الذي كانوا يعبدونه ويسمونه بهذا الاسم فأرسل إلى كسره فكسر حتى صار رضاضا فلما أخبر بذلك ذكره فأفاد بذلك أن هذه الأمة محفوظة من عبادة الأصنام إلى يوم القيامة (ابن عساكر) في التاريخ (عن قتادة) بن دعامة (مرسلا).
4343 (ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي الدرهم وذو الدينارين أشد حسابا من الدينار) ولهذا أدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام قال الغزالي : وما من شئ في الدنيا يتخلف عنك عند الموت إلا وهو حسرة عليك بعده فإن شئت فاستكثر وإن شئت فاستقل فإن استكثرت فلست
(3/759)


مستكثرا من حسرة وإن استقللت فلست تخفف إلا عن ظهرك وما أعطي عبد من الدنيا إلا قيل له : خذه على ثلاثة أثلاث شغل وهم وطول حساب (ك في تاريخه) تاريخ نيسابور (عن أبي هريرة) مرفوعا (هب عن أبي ذر موقوفا (1).
(1) أي لم يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم قال العراقي في ألفيته : وسم بالموقوف ما قصرته * بصاحب وصلت أو قطعته وبعض أهل الفقه سماه الأثر * وإن تقف بغيره قيد تبر 4344 (ذو السلطان وذو العلم أحق بشرف المجلس) ممن سواهما من الرعايا والمراد العلم الشرعي وما كان آلة له والحديث بظاهره يتناول ما إذا كان السلطان جائرا والعالم فاسقا لا سيما إن خيف من تأخيره فتنة وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعظم أكابر كفار قريش ويكرمهم ويصدرهم في المجالس يتألفهم بذلك (فر عن أبي هريرة) وفيه يعقوب بن حميد قال الذهبي : ضعفه أبو حاتم وغير واحد وما ترك وفيه رجل مجهول ورواه عنه أيضا أبو نعيم ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحا فلو عزاه المصنف للأصل لكان أولى.
4345 (ذو الوجهين في الدنيا) قال النووي : وهو الذي يأتي كل طائفة بما تحب فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه خداع ليطلع على أحوال الطائفتين وقال ابن العربي : الوجه هنا بمعنى القصد (يأتي يوم القيامة) أي يجاء به إلى الموقف (وله وجهان من نار) جزاء له على إفساده وتشهيرا له في ذلك الموقف الأعظم بين كافة الخلائق فإن ذلك أصل من أصول النفاق يكون مع قوم وفي حال على صفة ومع آخرين بخلافهما والمؤمن ليس إلا على حالة واحدة في الحق لا يخاف في الله لومة لائم إلا إن كان ثمة ما يوجب مداراة لنحو اتقاء شر أو تأليف أو إصلاح بين الناس كإتيانه كلا بجميل يعتذر لكل عن الآخر فإنه حسن مرغوب فيه وبما تقرر عرف أنه لا تدافع بين هذا وبين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيمن استأذن عليه بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له القول وقول علي : إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم (طس عن سعد) بن أبي وقاص رمز المصنف لحسنه وهو خطأ فقد جزم المنذري بضعفه وقال الهيثمي وغيره : فيه خالد بن يزيد العمري وهو كذاب.
4346 (ذيل المرأة شبر) أي ينبغي أن تجره على الأرض شبرا زيادة في الستر المطلوب لها وهذا
(3/760)


قاله أولا ثم استزدته فزادهن شبرا آخر فصار ذراعا وقال : لا تزدن عليه وقال الزين العراقي فالأولى لهن الاقتصار على الشبر ولهن الزيادة إلى ذراع فقط وهذا كما أنه مدح الإزار في حق الرجل إلى نصف الساق ثم نفى الحرج فيما بعد ذلك إلى الكعبين فينبغي أن تكون المرأة كذلك ليس لها الاقتصار على ما رخص فيه أولا ولها أن تستكمل الرخصة في الذراع اه (هق عن أم سلمة) قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تجر المرأة من ذيلها قال : شبرا قالت : إذن ينكشف عنها قال : فذراع لا تزيد عليه (د عن ابن عمر) بن الخطاب قال : رخص (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين شبرا ثم استزدنه فزادهن شبرا ، رمز المصنف لصحته.
(1) (حيث قال ابن عمر " رخص رسول الله " ، وحيث أن الأصل كان النهي عن جر الذيل ، فيتضح أن هذا الحديث أتى لتبيين الرخصة في تطويل الذيل ، وليس لتبيين المقدار الواجب منه أي الطول الذي يحرم التقصير عنه ، فليتنبه.
دار الحديث ] 4347 (ذيلك) بالكسر خطاب لمؤنث والخطاب مع فاطمة أو أم سلمة (ذراع) أي بذراع اليد وهو شبران فلا يزاد على ذلك لحصول المقصود من زيادة الستر به قال الزين العراقي : وهل أول الذراع من الحد الممنوع منه الرجال وهو من الكعبين أو من الحد المندوب وهو نصف الساق أو من أول ما يمس الأرض ؟ الظاهر الثالث (ه عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي وغيره وقد رمز المصنف لحسنه.
فصل في المحلى بأل من هذا الحرف 4348 (الذباب كله) في رواية كلها (في النار) ليعذب به أهلها لا ليعذب هو كذا أوله الخطابي كالجاحظ (إلا النحل) فإن فيه شفاء فلا يناسب حالهم وتمامه عند الطبراني وغيره ونهى عن قتلهن وعن إهراق الطعام في أرض العدو (1) والذباب يتولد من العفونة.
حكي أن بعض الخلفاء سأل الشافعي : لم خلق الذباب فقال : مذلة للمملوك ، وكان على لحيته ذبابة.
قال الشافعي : سألني ولا جواب عندي فاستنبطته من الهيئة الحاصلة (البزار) في مسنده (ع) عن ابن عمر قال الهيثمي : رجال أبي يعلى ثقات قال ابن حجر في
الفتح : سنده لا بأس به (طب عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه إسماعيل بن مسلم البصري قال في الميزان عن أحمد وغيره منكر الحديث وعن يحيى لا يكتب حديثه وعن البخاري تركوه وعن الأزدي كذاب ثم ساق له هذا الخبر وقال الحافظ ابن حجر : حديث ابن عمر هذا ضعيف (طب عن ابن عباس وعن ابن مسعود) قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد وبعضها رجاله ثقات كلهم وفي رواية أبي يعلى زيادة ولفظها عمر الذباب أربعون يوما والذباب كله في النار اه قال الهيثمي : ورجاله ثقات وبه عرف أن حكم ابن الجوزي له بالوضع في حيز المنع.
(1) نهى عن إهراق الطعام في أرض العدو لما فيه من الإفساد والتخريب.
فليتنبه إلى سمو تعاليم الإسلام ، بالمقارنة مع أفعال أدعياء " التمدن " و " الحضارة " : خبراء القنبلة الذرية والغازات السمة والنابالم وشتى أصناف التدمير الجماعي ، وشتان بين الثرى والثريا.
دار الحديث ]
(3/761)


4349 (الذبيح إسحاق) أخذ به الأكثر وأجمع عليه أهل الكتابين وعزى الثلاثين من الصحب وتابعيهم أو يزيدون واختاره ابن جرير وجزم به في الشفاء لكن سياق الآية شاهد لكونه إسماعيل إذ هو الذي كان بمكة ولم ينقل أن إسحاق كان بها ورجحه معظم المحدثين وقال الحليمي : إنه الأظهر وأبو حاتم : إنه صحيح والبيضاوي : الأظهر وابن القيم : الصواب قال : والقول بأنه إسحاق باطل من نيف وعشرين وجها قاله المصري ويدل لكونه إسماعيل أنه سبحانه وصفه بالصبر دون إسحاق فدل على أنه الصبر على الذبح وبصدق الوعد فدل على أن المراد أنه وعد بالصبر على ذبح نفسه ومن ثم قيل للمصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ابن الذبيحين (قط في) كتاب (الأفراد عن ابن مسعود البزار) في مسنده (وابن مردويه) في تفسيره (عن العباس بن عبد المطلب) قال الهيثمي : وفيه المبارك بن فضالة ضعفه الجمهور اه ورواه عنه الحاكم من طرق وقا : ل على شرطهما وقال الذهبي : صحيح (ابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة) قال ابن كثير : فيه الحسن بن دينار متروك وشيخه منكر ورواه ابن أبي حاتم مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح وتعقبه المصنف بأن البزار رواه مرفوعا وله شواهد.
4350 (الذكر خير من الصدقة) أي من صدقة النفل وظاهره أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه أبي الشيخ والذكر خير من الصيام اه.
فتركه غير مرضي قال الكشاف
وذكر الله يتناول كل ما كان عن ذكر طيب كتسبيح وتهليل وتكبير وتمجيد وتوحيد وصلاة وتلاوة قرآن ودراسة علم (1) وغير ذلك مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغرق به ساعات ليله ونهاره.
(تنبيه) لو اقترن بالذكر فعل لم يبطل ثوابه كما بينه ابن عربي حيث قال : قد يكون الإنسان في بعض أموره موفق أو في بعضها مخذولا كالذاكر لله بقلبه ولسانه وهو يضرب بيده من يحرم ضربه لم يقدح في ذكره كما لا يرفع ذلك الذكر إثمه (أبو الشيخ)) ابن حبان (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا الديلمي.
(1) وضبط النفس عن الحرام إجلالا لله ، والسعي على المعاش عبودية لله ، وخدمة المسلمين وإدخال السرور عليهم إكراما لربهم ومولاهم سبحانه وتعالى ، وهكذا.
دار الحديث 4351 (الذكر نعمة من الله فأدوا شكرها) (1) باللسان والأركان والجنان فذكر اللسان القول وذكر اليد العمل وذكر النفس الحال والانفعال وذكر القلب المعرفة والعلم واليقين ولكل شئ ذكر بحسبه ومن ثمرات الذكر أنه يوسع الرزق والإعراض عنه يقلله ولذا قال بعض أكابر الصوفية لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا ويظلم عليه وقته ويشوش عليه رزقه (تنبيه) قال ابن عربي : الذاكرون أعلى الطوائف مطلقا ولهذا ختم الله بذكرهم صفات المقربين من أهل الله فقال : * (إن المسلمين والمسلمات) * إلى أن ختم بقوله * (والذاكرون الله كثيرا) * وما ذكر بعد الذاكر شيئا
(3/762)


والذاكر من نعوته كونه متكلما وهو نفس الرحمن الذي ظهرت فيه حقائق حروف الكائنات (فر عن نبيط) بالتصغير (ابن شريط) بفتح المعجمة الأشجعي الكوفي صحابي صغير يكنى أبا سلمة كوفي له صحبة ورواه عنه أيضا أبو نعيم وعنه تلقاه الديلمي مصرحا فإهمال المصنف الأصل واقتصاره على الفرع غير جيد.
(1) [ أي إذا أنعم الله على أحدكم بنعمة ذكره ، فليشكرها بأن يستعمل لسانه بذكر الله ، وجسده بأعمال الخير ، وقلبه بالمراقبة والخشوع ، وهكذا.
دار الحديث 4352 (الذكر) الخفي (الذي لا تسمعه الحفظة) أي الملائكة الموكلين بكتابة الأعمال (يزيد على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين ضعفا) قيل : ولعل المراد به التدبر والتفكر في مصنوعات الله وآلائه وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فإذا جمع الله الخلق وجاءت الحفظة بما كتبوا وحفظوا يقول الله تعالى انظروا هل بقي له من شئ فيقولون ربنا ما تركنا شيئا إلا
أحصيناه وكتبناه فيقول الله فإن لك عندي خبئا لا يعلم به أحد غيري وأنا أجزيك به وهو الذكر الخفي اه هكذا رواه بتمامه أبو يعلى والبيهقي والديلمي وغيرهم قال ابن عربي : وإذا أشعر الإنسان قلبه ذكر الله دائما في كل حال لا بد أن يستنير قلبه بنور الذكر فيرزقه ذلك النور الكشف فإنه بالنور يقع الكشف.
(هب عن عائشة) وفيه إبراهيم بن المختار أورده الذهبي في الضعفاء وقال : تركه البخاري ولم يرضه وقال أبو حاتم : صالح اه وقال الحافظ العراقي : إسناده ضعيف.
4353 (الذنب شؤم) حتى (على غير فاعله) أي حتى أنه يتجاوز شؤمه ويتعدى من فاعله إلى غيره قال القاضي : والذنب ما له تبعة دنيوية وأخروية مأخوذ من الذنب ثم بين وجه شؤمه على غيره بقوله (إن عيره) أي إن عير الغير به فاعله (ابتلي به) في نفسه لما سبق أنه لو عير أحد أحدا برضاع كلبة لرضعها (وإن اغتابه) أي ذكره به في غيبته وهو يكره ذلك (أثم) أي كتب عليه إثم الغيبة وإن رضي به) أي بفعله (شاركه) في الإثم لأن الراضي بالمعصية كفاعلها ولا يعارضه ما مر من خبر إن الله ينفع العبد بالذنب وإن نفعه به من حيث الندم والذل والانكسار وأما شؤمه فأصلي (فر عن أنس) بن مالك.
4354 (الذهب) أي بيع الذهب مضروبا أو غيره بالورق بتثليث الراء الفضة مضروبة أو لا (ربا) بالتنوين من غير همز (إلا ها وها) بالمد ويقصر صوت بمعنى خذ ومنه * (هاؤم اقرؤوا كتابيه) *
(3/763)


وهي حرف خطاب والمستثنى منه مقدر يعني هذا البيع ربا في كل حال إلا حال حضورهما وتقابضهما فكنى عن التقابض بها وها أي خذ وهات لأنلازمه وفيه اشتراط التقابض في الصوف بالمجلس وهو مذهب الشافعية والحنفية ومذهب مالك لا يجوز تراخي القبض فيه ولو في المجلس (والبر بالبر) بضم الموحدة فيها معروف قال الراغب : سمي به لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء فإن أصل البر التوسع في فعل الخير أي بيع أحدهما بالآخر ربا (إلا) بيعا مقولا فيه من جهة المتعاقدين (ها وها) أي يقول كل منهما للآخر خذ (والتمر بالتمر ربا إلا ها وها والشعير) بفتح أوله ويكسر (بالشعير ربا إلا ها وها) فأراد أن البر والشعير صنفان وعليه الجمهور خلافا لأحمد وفيه أن
النسيئة لا تجوز في بيع الذهب بالورق وإذا امتنع فيهما ففي ذهب بذهب أو ورق بورق (تنبيه) قال القونوي : اعلم أن مدار الربا على أصلين الأوصاف والأزمان أما الأوصاف فلا شك أن الأشياء الربوية التي شرط فيها رعاية المساواة في الوزن والكيل أجسام مركبة من جواهر تلحقها أعراض ولا ريب في علو مرتبة الجواهر على الأعراض لتبعيتها في الوجود للجواهر فهذه الأشياء الربوية من حيث ذاتها متماثلة ومن حيث صفاتها مختلفة فمتى لم نشرط التساوي بينهما في المبالغة كانت الزيادة الذاتية في مقابلة وصف عرضي كمن اشترى مدا من حنطة بيضاء أو كبيرة الحب بمدين ممن حنطة سمراء أو صغيرة الحب فيكون المد الثاني الزائد ثمنا للبياض وذلك ظلم لأنه ساوى في الشرف والحكم بين الجواهر والأعراض وليس بصحيح وقس عليه بقية الربويات كشعير وملح وتمر فإنه لا يرجح شئ منها على مثله إلا بنحو طعم أو لون وكلها أعراض والتسوية بين الذوات والأعراض لا تصح فهذا سر تحريم الربا وكذا في الذهب والفضة فإن الزيادة والترجيح لا يكون إلا بسبب الصناعة أو تغيير الشكل وذلك عرض وأما تحريم الربا من حيث الزمان فإن المقرض مائة دينار إلى سنة بمائة وعشرين جعل العشرين مقابل الزمان والزمن المعين ليس موجودا بعد ولا مملوكا للمقرض فيجوز له بيعه فإن الزمان لله ويحكم الله لا حكم لغيره عليه والاشتراط الآخر في حق من راعى أمر المساواة في الزمان كحصوله في كمية البيع لأنه لو لم يكن كذلك كانت المسامحة في النسيئة والتأخر مددية لتحكم ما من الممهل على الزمان فيكون من قبيل ما تقدم (مالك) في المؤطأ (ق 4) في الربا (عن عمر) بن الخطاب وفيه بقية.
4355 (الذهب بالذهب) بالرفع أي بيع الذهب فحذف المضاف للعلم به أو مبتدأ حذف خبره أي الذهب يباع بالذهب أو بإسناد الفعل المبني للمفعول إليه أي يباع الذهب ويجوز نصبه أي بيعوا الذهب بالذهب (والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير) بفتح الشين على المشهور وحكي كسرها
(3/764)


(والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل) أي حال كونهما متماثلين أي متساويين في القدر (يدا بيد) أي نقدا غير نسيئة (فمن زاد) على مقدار البيع الآخر من جنسه (أو استزاد) أي طلب الزيادة وأخذها (فقد
أربى) أي فعل الربا المحرم (والآخذ والمعطي سواء) في اشتراكهما في الإثم لتعاونهما عليه فإن كلا منهما آكل وموكل وألحق بهذه الستة ما في معناها المشارك لها في العلة فقال الشافعي : العلة في النقد الثمينة فلا يتعدى بكل موزون وفي البقية الطعم فيتعدى ووافقه مالك في النقد وجعل العلة في الأربعة للادخار وجعل أبو حنيفة العلة في النقد الوزن وفي الباقي الكيل فعداهما (حم م ن) في الربا (عن أبي سعيد) الخدري ولم يخرجه البخاري.
4356 (الذهب بالذهب) أي يباع به (والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل) أي حال كونهما متساويين في القدر (سواء بسواء) أي عينا بعين حاضرا بحاضر (يدا بيد) أي مقابضة في المجلس وجمع بينهما تأكيدا ومبالغة في الإيضاح (فإذا اختلفت هذه الأصناف) هذا لفظ مسلم وهو الصواب وما وقع في المصابيح من ذكر الأجناس بدله من تصرفه وما درى أن الأصناف أقوى في هذا المحل وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أراد بيان الجنس الذي يجري فيه الربا فعد أصنافه ذكره الطيبي لكن عهد بهم أنهم يستعملون بعض الألفاظ المتقاربة المعنى مكان بعض فالأمر سهل (فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) أي مقابضة وقال القاضي والطيبي : هذا الحديث عمدة باب الربا عد أصولا وصرح بأحكامها وشروطها على الوجوه التي يتعامل بها ونبه على ما هو العلة لكل واحد منها ليتوصل به المجتهد إلى أن يستنبط منها حكم ما من يذكر من أخواتها (فإنه) ذكر النقدين والمطعوما ت الأربع إشعارا بأن الربا فيما يكون نقدا أو مطعوما فإن العلة فيه النقد والطعم للمناسبة واقتران الحكم وذكر من المطعوم الحب والتمر ما يقصد مطعوما لنفسه ولغيره ليعلم أن الكل سواء في الحكم ثم قسم التعامل على ثلاثة أوجه أن يباع شئ منها بجنسه كبر ببر وبغيره من هذه الأجناس المشاركة في علة الربا كبر بشعير وبما ليس من جنسه ولا بما يشاركه في العلة كبيع بر بذهب أو نحاس وصرح في القسمين الأولين لأنهما المقصودان بالبيان لمخالفتهما كسائر العقود في الشروط فشرط في الأول التماثل في القدر وأكده بقوله سواء بسواء لأن المماثلة أعم من كونها في القدر بخلاف المساواة والحلول والتقابض بالمجلس بقوله يدا بيد وفي الثاني الحلول والتقابض لا التماثل وسكت عن الثالث إما لأنه جاز على قياس جميع المبايعات فلا حاجة لبيانه أو لأن أمره معلوم مما ذكر مدلول عليه بالمفهوم
فإن تقييد اعتبار الحلول بالمشاركة في علة الربا بقوله فإذا اختلفت هذه الأجناس في اعتبار المماثلة بها
(3/765)


مع اتحاد الجنس يدل على عدم اعتبارها فيما ليس كذلك (تنبيه) قال الغزالي : إنما امتنع الربا لمخالفته للحكمة التي خلق النقد لها وهو كونه وسيلة لتحصيل غيره وإنما جاز بيع أحد النقدين بالآخر لأن كلا يخالف الآخر في مقصود التوسل وبيع درهم بدرهم مثله لأن ذلك لا يرغب فيه عاقد لتساويهما فلا معنى لمنع ما لا تتشوف النفس إليه فإن فرض أن أحدهما أجود فصاحبه لا يرضى بمثله من الردئ فلا ينتظم العقد وأما بيع درهم بدرهم نسيئة فممنوع إذ لا يفعله إلا مسامح قاصد للإحسان له أجر وحمد والمعاوضة لا حمد فيها ولا أجر فهو ظلم لأنه أضاع خصوص المسامحة وأخرجها في معرض المعاوضة وكذا الأطعمة خلقت ليتغذى أو يتداوى فلا تصرف عن جهتها وفتح باب التعامل فيها يفسدها بالأيدي ويؤخر عنها الأكل الذي أريدت له فما خلق الطعام إلا ليؤكل والحاجة إلى الأطعمة شديدة فتخرج عن يد المستغني عنها إلى المحتاج نعم بائع تمر بتمر معذور إذ أحدهما لا يسد مسد الآخر في الغرض وبائع صاع بر بمثله غير محذور لكنه عابث فلا يحتاج لمنع لأن النفس لا تسمح به إلا عند التفاوت في الجودة وذو الجيد لا يرضى وأما جيد برديئين فقد يقصد لكن لما كانت الأطعمة من الضروريات والجيد يساوي الردئ في أصل الفائدة ويخالفه في التنعم أسقط الشرع غرض التنعم فيما هو القوام فهذه حكمة الشرع في تحريم الربا وقد انكشف لنا بعد إعراضنا عن فن الفقه فليلحق به فإنه أقوى من كل ما ذكر في الخلافيات وبه يتضح رجحان مذهب الشافعي في التخصيص بالأطعمة دون المكيلات إذ لو دخله الحصر كانت الثياب والدواب أولى بالدخول ولولا الملح لكان مذهب مالك أقوم المذاهب فيه إذ خصصه بالأقوات لكن كل معنى رعاه الشرع يمكن أن يضبطه بحد وتحديد هذا كان ممكنا بالقوت وبالمطعوم فرأى الشرع التحديد بجنس المطعوم أولى بكل ما هو ضرورة للبقاء (حم م د ه عن عبادة بن الصامت).
4357 (الذهب والحرير حل لإناث أمتي وحرام على ذكورها) قال ابن أبي جمرة : إن قلنا إن تخصيص النهي للرجال لحكمة فيظهر أنه تعالى علم قلة صبرهن عن التزين فلطف بهن في إباحته ولأن
تزينهن غالبا إنما هو للأزواج وقد ورد أن حسن التبعل من الإيمان ويؤخذ منه أن الفحل لا يصلح أن يبالغ في استعمال الملذوذات لكونه من صفات الإناث (طب) وكذا أحمد والطحاوي وصححه (عن زيد بن أرقم) قال الهيثمي : فيه ثابت بن زيد بن أرقم وهو ضعيف (وعن واثلة) بن الأسقع رمز المصنف لصحته ورواه الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عمر والطيالسي من حديث أبي موسى قال الديلمي : وفيه أنس وعمر وعقبة والبراء وحذيفة وأم هانئ وعمران بن الحصين وابن الزبير وجابر وأبو ريحانة وابن عمر وعلي أمير المؤمنين وغيرهم.
(3/766)


4358 (الذهب حلية المشركين) أي زينتهم وسميت الحلية زينة لأنها تزين العضو المحلى بها في أعين الناظرين وتحسنفي قلوبهم (والفضة حلية المسلمين) فيحل اتخاذ الخاتم للرجال منها بل تمسك بإطلاقه ابن القيم فجوز حل التحلي بها للرجال مطلقا (والحديد حلية أهل النار) أي قيود أهل النار وسلاسلهم منه وإلا فأهل النار لا يحلون فيها قال ابن القيم : والذهب زينة الدنيا وطلسم الوجود ومفرح الوجود ومقوي الظهور وسر الله في أرضه وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات الملطفة والمفرحة وهو أعدل المعدنيات على الإطلاق وأشرفها وهو والفضة طلسم الحاجات وصاحبهما مرموق في العيون معظم في النفوس والفضة من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم وضعف القلب وخفقانه.
(الزمخشري) بفتح الزاي والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين نسبة إلى زمخشر قرية كبيرة بخوارزم وهو العلامة العديم النظير محمود بن عمر المضروب به المثل في علوم الأدب والقرآن وديوان شعره مشهور (في جزئه عن أنس) ورواه عنه أيضا الديلمي لكن بيض ولده لسنده.
(3/767)


* 2 * حرف الراء 359 (رأت أمي) سيدة نساء بني زهرة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي (حين وضعتني) هذه رؤيا عين والرؤيا في الحديث الذي عقبه رؤيا نوم نبه عليه المصنف وبه يعرف أنه كان ينبغي له عكس هذا الترتيب (سطع منها نور أضاءت له قصور بصرى) بموحدة مضمومة بلد من أعمال دمشق وخصت بذلك النور إشارة إلى أنها أول ما يفتح من بلاد الشام
وقد وقع وأما جواب ابن رجب بأنه إشارة إلى بلوغ ملكه ذلك الموضع وأنه لا ينافي الزيادة عليه فغير ناهض وفي الروض الأنف أن خالد بن سعيد بن العاص رأى قبيل المبعث نورا خرج من زمزم حتى ظهرت له نخيل يثرب فقصها على أخيه فقال : إنها حفيرة عبد المطلب وهذا النور منهم.
قال جمع : ولم يلد أبواه غيره (تنبيه) الأصح أنه ولد بمكة بالشعب بعيد فجر الاثنين ثاني عشر ربيع الأول عام الفيل ولم يكن يوم جمعة ولا شهر حرام دفعا لتوهم أنه شرف بذلك الزمن الفاضل فجعل في المفضول لتظهر به على رتبته على الفاضل ونظيره دفنه بالمدينة دون مكة إذ لو دفن بها لقصد تبعا.
(ابن سعد) في الطبقات (عن أبي العجفاء) بفتح العين المهملة وسكون الجيم السلمي البصري هرم بن شيب وقيل بالعكس وقيل بصاد بدل السين المهملة وصنيع المصنف يصرح بأنه صحابي وهو وهم وإنما هو تابعي كبير روى عن عمر وغيره وثقه بعضهم وقال البخاري : في حديثه نظر.
4360 (رأت أمي) في المنام (كأنه خرج منها نور) لأنها حين حملت به كانت ظرفا للنور المنتقل إليها من أبيه (أضاءت منه) أي من ذلك النور (قصور الشام) فأول بولد يخرج منها يكون كذلك وذا النور إشارة لظهور نبوته ما بين المشرق والمغرب واضمحلال ظلمة الكفر والضلال.
قال في اللطائف : هذا النور إشارة إلى ما جاء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به الشرك وخصت به الشام لأنها دار ملكة ومحل سلطانه وفي وصفه في الكتب السابقة محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجرته يثرب وملكه بالشام (ابن سعد) في الطبقات (عن أبي أمامة) قال ابن حجر : صححه ابن حبان والحاكم.
(3/768)


4361 (رأس الحكمة مخافة) وفي رواية خشية (الله) أي أصلها وأسها الخوف منه لأن الحكمة تمنع النفس عن المنهيات والشهوات والشبهات ولا يحمل على العمل بها إلا الخوف منه تعالى فيحاسب النفس على كل خطرة ونظرة ولذة ولأن الخشية تدعوه إلى الزهد في الدنيا فيفرغ قلبه فيعوضه الله في قلبه حكمة ينطق بها فالخوف سبب وأصل لورود الحكم والحكمة العلم بأحوال الموجودات على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية ويطلق على المعلومات وعلى أحكام الأمور وسلامتها من الآفات وعلى منع النفس من الشهوات وغير ذلك وأوثقها العمل بالطاعات بحيث يكون خوفه أكثر من رجائه فيحاسب نفسه
على كل خطرة ونظرة ومخافة الله آكد أسباب النجاة (1) قيل : وجد حكيمين وفي يد أحدهما رقعة فيها إن أحسنت كل شئ فلا تطمئن أنك أحسنت شيئا حتى تعرف الله وتخافه وتعلم أنه مسبب الأسباب ، وفي يد الآخر كنت فبل أن أعرف الله أشرب وأظمأ حتى عرفته رويت بلا شرب (الحكيم) الترمذي (وابن لال) أبو بكر في المكارم والقضاعي في الشهاب (عن ابن مسعود) ورواه عنه أيضا البيهقي في الشعب وضعفه.
(1) قال الغزالي : وقد جمع الله للخائفين الهدى والرحمة والعلم والرضوان وناهيك بذلك فقال تعالى : * (هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) * وقال : * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * ، * (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) *.
4362 (رأس الدين) أي أصله وعماده الذي يقوم به (النصيحة) قيل : لمن ؟ قال : (لله ولدينه ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وللمسلمين عامة) جعل النصيحة للكل رأسا لأن من نصح بعضا مما ذكر وترك بعضا لم يعتد بنصحه فكأنه غير ناصح للكل.
قال في الكشاف : والنصح إخلاص العمل من شائبة الفساد (سمويه طس عن ثوبان) مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي : فيه أيوب بن سويد ضعفه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات قال : ردئ الحفظ قال الذهبي : فلم يصنع ابن حبان جيدا وقال الهيثمي : فيه أيوب بن سويد ضعف لا يحتج به قال العلائي : وحديثه يصلح للمتابعات والشواهد.
4363 (رأس الدين الورع) أي قوة الدين واستحكام قواعده التي بها ثباته الورع بالكف عن أسباب التوسع في الأمور الدنيوية صيانة لدينه وحراسة لعرضه ومروءته والمتورع دائم المراقبة للحق
(3/769)


حذرا من مزح حق بباطل وبذلك قوام الدين ونظامه يعني أن قضية الدين استعمال التورع فمن أهمله فلا كمال لدينه فإن من تعداه يوشك أن يقع في حيز الباطل.
قال يحيى بن معاذ : كيف يكون زاهدا من لا ورع له ؟ تورع فيما ليس لك ثم ازهد فيما لك (عد عن أنس) بن مالك.
4364 (رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس) وفي بعض التفاسير عن ابن جرير مكتوب في التوراة ليكن وجهك بسيطا وكلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من الذين يعطونهم العطاء
وقال الحسن : سأل موسى ربه جماعا من العمل فقيل له : انظر ما تريد أن يصاحبك به الناس فصاحبهم به (تنبيه) قال بعضهم : من أسباب التأليف المطلوب شرعا وهو عمدة في التحبب والتودد الذي هو رأس العقل والتهنئة بنحو الأعياد والشهور وقد صرح بأنها بدعة حسنة وقال المؤلف : بل لها أصل في السنة كالتهنئة بالمولود ، وألف فيها أصول الأماني بحصول التهاني (طس عن علي) أمير المؤمنين وهو حديث آل البيت عن آبائهم إلى علي.
4365 (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى البيت) أي التسبب في محبتهم لك بالبشر والطلاقة والهدية والإحسان ونحو ذلك وتمامه في غير ترك الحق هكذا ساقه الديلمي وغيره وهو قيد معتبر فحذف المصنف له غير صواب اللهم إلا أن تكون رواية.
قال بعض العارفين : علامة العاقل أربعة لا يتنكر من المصائب ولا يتخذ عمله رياء ويحتمل أذى الخلق ولا يكافئهم ويداري العباد على تفاوت أخلاقهم (البزار) في مسنده عن أبي هريرة قال الهيثمي : وفيه عبيد الله بن عمر القيسي وهو ضعيف (هب) من حديث هشيم عن علي بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب (عن أبي هريرة) ثم قال أعني البيهقي : لم يسمعه هشيم بن علي وهذا حديث يعرف بأشعث بن براق عن علي بن زيد عن ابن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدلسه هشيم اه وأعاده مرة أخرى وقال : في هذا الإسناد ضعف.
(رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس طس عن علي) 4366 (رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر) ولهذا قال الحكماء : اتسعت دار من يداري وضاقت أسباب من يماري وقال ابن أبي ليلى : أما أنا فلا أماري صاحبي ، فإما أن أغضبه وإما أن أكذبه قال في شرح الرسالة العضدية : والتودد طلب مودة الأكفاء
(3/770)


والأمثال وأهل الفضل والكمال وأنشد : فإذا أردت مودة تحظى بها * فعليك بالأكفاء والأمثال قال : ومودة الأراذل تورث ذلة ومودة العلماء تورث عزا (فائدة) قال العسكري : ما من حديث صحيح إلا أصله في القرآن فقيل له : فحديث رأس العقل إلخ أين هو في القرآن قال : * (واهجرهم هجرا جميلا) * (هب عن علي) أمير المؤمنين وفيه عبد الله بن أحمد بن عامر
عن أبيه عن أهل البيت أورده الذهبي في الضعفاء وقال : له نسخة باطلة وعلي بن موسى الرضي أورده الذهبي في الضعفاء وقال : له عجائب عن أبيه عن جده ورواه عن علي أيضا بالفظ المزبور الطبراني في الأوسط والجعاني في تاريخ الطالبين.
4367 (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس) قالوا : معنى التودد في هذه الأخبار الإتيان بالأفعال التي تودك الناس ويحبونك لأجلها كما يشير إليه خبر ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس فمن فعل ذلك وده الناس لكن لا يريد بذلك محبتهم له بل يفعله لله لوجوب حق العباد لا لمطالبة الود منهم وإذا فعله لله أودع الله وده في قلوبهم بوده تعالى له * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * (وأهل التودد في الدنيا لهم درجة في الجنة) أي منزلة عالية فيها معدة لهم (ومن كانت له في الجنة درجة فهو في الجنة) ولهذا قال علي كرم الله وجهه : إياكم ومعاداة الرجال فإنهم لا يخلون من ضربين عاقل يمكر بكم أجاهل يعجل عليكم بما ليس فيكم وقال بعض الحكماء : من سمع كلمة فسكت عنها سقط عنه ما بعدها ومن أجاب عنها سمع ما هو أغيظ منها وقال الماوردي : التودد يعطف القلوب على المحبة ويزيل البغضاء ويكون ذلك بصنوف من البر ويختلف باختلا ف الأحوال والأشخاص فإن ذلك من سمات الفضل وشروط التودد فإنه ما أحد يعدم عدوا ولا يفقد حاسدا وبحسب وفور النعمة تكثر الأعداء والحسدة ومن أغفل تألف الأعداء وودادهم مع وفور النعمة وظهور الحسد توالي عليه من مكر حليمهم وبادره سفههم ما تصير به النعمة عذابا والدعة ملاما (ونصف العلم حسن المسألة) أي حسن سؤال الطالب للعلم فإنه إذا أحسن أن يسأله أقبل عليه العالم بشراشره وألقى إليه ما في سرائره ، فكأنه حاز نصف العلم من أول الطلب ، وكما أن حسن السؤال محمود في الأمور الدينية.
فكذا في الدنيوية قال عبد الملك بن صالح للرشيد : أسألك بالقرابة والخاصة ؟ أم بالخلافة والعامة ؟ فقال : بل الأولى.
قال : يدا ك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة
(3/771)


فأعطاه وأجزل.
وقال ابن زائدة لمعاوية : لم أزأمتطي الليل بعد النهار ولم أجد معولا إلا عليك وإذا بلغتك فهو كما قيل : احطط عن راحلتك رحلها والسلام وقيل لابن المهلب في مقام الطلب ليس
فأعطاه وأجزل.
وقال ابن زائدة لمعاوية : لم أزأمتطي الليل بعد النهار ولم أجد معولا إلا عليك وإذا بلغتك فهو كما قيل : احطط عن راحلتك رحلها والسلام وقيل لابن المهلب في مقام الطلب ليس العجب أن تفعبل العجب أن لا تفعل فاستفهمه حاجته فقضاها (والاقتصاد في المعيشة نصف العيش يبقي) بضم أوله (نصف النفقة وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من) رجل (مخلط) لا يتوقى الشبهات ومن ثمة قال إياس بن معاوية : كل ديانة أسست على غير ورع فهي هباء قال بعض العارفين : والورع اجتناب ما يفسد أنواع القربات ويكدر صفاء المعاملة وحقيقته توقي كل ما يحذر منه وغايته تدقيق النظر في طهارة الإخلا ص من شائبة الشرك الخفي (وما تم دين إنسان قط حتى يتم عقله) ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وصف له عبادة إنسان سأل عن عقله (والدعاء يرد الأمر) أي يرد القضاء المبرم كما صرح به في الرواية السابقة (وصدقة السر تطفئ غضب الرب) كما سبق توجيهه (وصدقة العلانية تقي ميتة السوء (1) وصنائع المعروف إلى الناس تقي صاحبها مصارع السوء) كما سبق (الآفات) يدل مما قبله أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف أي وهي الآفات (والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) أي من بذل معروفه للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الآخرة وقيل أراد من بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود فيشفع فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة ذكره ابن الأثير (والمعروف) وفي نسخة والعرف (ينقطع فيما بين الناس) أي ينقطع الثناء منهم على فاعله به (ولا ينقطع فيما بين الله وبين من افتعله) وهذه أحاديث عدة مر أكثرها ويجئ منها فتداخلت في هذا الحديث واجتمعت فيه وهي كثيرة الفوائد جليلة العوائد.
(الشيرازي) بكسر المعجمة وسكون المثناة التحتية نسبة إلى شيراز قصبة فارس ودار الملك بها (في) كتاب (الألقاب هب) من حديث إسماعيل بن يحيى العسكري ولقبه سمعان عن إسحاق العمي عن يونس بن عبيد عن الحسن (عن أنس) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه تعقبه بما نصه هذا إسناد ضعيف والحمل فيه على العسكري أو العمي اه ورواه الحاكم وأبو نعيم والديلمي ثم قال : وفي الباب علي أمير المؤمنين.
(1) بكسر الميم وفتح السين الحالة التي يكون عليها الإنسان عند الموت مما لا تحمد عاقبته.
(3/772)


فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي ج 4
فيض القدير شرح الجامع الصغير
المناوي ج 4
(4/)


فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير للعلامة محمد عبد الرؤوف المناوي ضبطه وصححه أحمد عبد السلام الجزء الرابع تتمة حرف الراء - حرف الكاف دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
(4/1)


الطبعة الاولى 1415 ه - 1994 م
(4/2)


4368 - (رأس العقل المداراة) قال ابن الأثير : غير مهموز ملاينة الناس وحسن صحتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك أو يؤذوك وقد يهمز ، ومن ثم قيل : اتق معاداة الرجال فإنك لا تعدم مكر حليم أو مفاجأة لئيم وينبغي الاعتناء بمداراة العدو أكثر فقد قيل : ألقى العدو بوجه لا قطوب به * يكاد يقطر من ماء البشاشات فأحزم الناس من يلقى أعاديه * في جسم حقد وثوب من مسرات قال الماوردي : لكن ينبغي مع تألفه أن لا يكون له راكنا وبه واثقا بل يكون منه على حذر ومن مكره على تحرز فإن العداوة إذا استحكمت في الطباع صارت طبعا لا يستحيل وجبلة لا تزول وإنما
يستكف بالتأليف إظهارها ويستدفع به إضرارها كالنار يستدفع بالماء إحراقها وإن كانت محرقة بطبع لا يزول وجوهر لا يبيد (وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) قال ابن الأثير : روي عن ابن عباس في معناه يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة لهم معروفهم وتبقى حسناتهم جامعة فيعطونها فإن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ويدخله الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة وفيه أن المداراة محثوث عليها أي ما لم تؤد إلى ثلم دين وإزراء بمروءة كما في الكشاف.
(هب عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه : وصله منكر وإنما يروى منقطعا اه وفيه محمد بن الصباح أورده الذهبي في الضعفاء وقال : مجهول وحميد بن الربيع فإن كان هو الخراز فقد قال ابن عدي : يسرق الحديث أو السمرقندي فمجهول وعلي بن زيد بن جذعان ضعفوه.
4369 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس) مع حفظ الدين قال الغزالي : فعلى من ابتلى بمخالطة الناس مداراتهم ما أمكن ويقطع الطمع عن مالهم وجاههم ومعونتهم فإن الطامع خائب غالبا وإذا سألت واحدا حاجة فقضاها فاشكر الله عليها وإن قصر فلا تعاتبه ولا تشكه فتصير عداوة وكن كالمؤمن يطلب المعاذير ولا تكن كالمنافق تطلب العيوب وقل لعله قصر لعذر لم أطلع عليه وإذا أخطأوا في مسألة وكانوا يأنفون من التعلم فلا تعلمهم فإنهم يستفيدون منك علما ويصبحون لك أعداء إلا أن تعلق بإثم يفارقونه عن جهل فاذكر الحق بلطف بغير عنف ولا تعاتبهم ولا تقل لهم لم
(4/3)


لم تعرفوا حقي وأنا فلان بن فلان وأنا الفاضل في العلوم فإن أشد الناس حماقة من يزكي نفسه ، (وما يستغني رجل عن مشورة) فإن من اكتفى برأسه ضل ومن استغنى بعقله ذل ومن ثم قال حكيم : المشورة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معها رأي ولا يفقد معها حزم وقال بعض الحكماء : الخطأ مع الاسترشاد أجمل من الصواب مع الاستبداد (وإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وإن أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة) فإن الدنيا مزرعة الآخرة وأحكام الآخرة مترتبة على أحكامها كما سبق
(تنبيه) قال ابن عربي : الناس أحوالهم بعد موتهم على قدر ما كانوا عليه في الدنيا للتفرغ لأمر ما معين أو مختلف على قدر ما تحققوا به وهم في الآخرة على قدر أحوالهم في الدنيا فمن كان في الدنيا عبدا محضا كان في الآخرة بقدر ما استوفاه في الدنيا فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية الذل في جناب الحق ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا عزا في نفسه وإما أن يكون في ظاهر الأمر ملكا أو غيره فلا يبالي في أي مقام وفي أي حال أقام عنده في ظاهره إنما المعتبر حاله في نفسه ، ذكر القشيري أن رجلا دفن رجلا ونزع الكفن عن خده ووضعه على التراب فقال له الميت : يا هذا أتذلني بين يدي من أعزني ورأيت أنا مثل ذلك أن صاحبي الحسن هاب غاسله أن يغسله ففتح عينه في المغسل وقال له : اغسل فلا فرق بين الحياة والموت (فائدة) أخرج العسكري عن سفيان بن عيينة قال : ما من حديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم صحيح إلا وأصله في القرآن فقيل : يا أبا محمد قوله رأس العقل بعد الإيمان المداراة أين المداراة في القرآن قال : قوله تعالى * (واهجرهم هجرا جميلا) * فهل الهجر الجميل إلا المداراة ومن ذلك * (ادفع بالتي هي أحسن) * (وقولوا للناس حسنا) * (ولمن صبر وغفر) * وغير ذلك.
(هب عن سعيد بن المسيب مرسلا) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال والأمر بخلافه فقد قال الذهبي في المهذب : مرسل وضعيف وقال ابن الجوزي : متن منكر وأقول فيه محمد بن عمرو وأبو جعفر قال الذهبي : مجهول ويحيى بن جعفر أورده الذهبي في ذيل الضعفاء والمتروكين وقال : مجهول وزيد بن الحباب قال في الكاشف : لم يكن به بأس وقد يتهم والأشعث بن نزار ضعفوه وعلي بن زيد بن جذعان قال أحمد وغيره : ليس بشئ وبه يعرف أن إسناده عدم مع كونه مرسلا.
4370 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس) أي أشرف ما دل عليه نور العقل بعد الإيمان بالله بمشاهدة عظمة الله وعزته وعقل نفسه عن السكون إلى غير الله مداراة الناس أي ملاينتهم وملاطفتهم ومن المداراة أن لا يذم طعاما ولا ينهر خادما ولا يطمع في تغيير شئ من جبلات الناس إلا
(4/4)


ما اقتضاه التعليم والمخاطبة باللين مع سهولة الجانب سيما مع الأهل ونحوهم والتغافل عن سفه المبطلين ما لم يترتب عليه مفسدة ، ومن ثمة قيل : اتسعت دار من يداري وضاقت دار من يماري وقيل : من صحت مودته احتملت جفوته وقيل : إذا عز أخوك فهن وكن كما قال ابن العلاء : لما عفوت ولم أحقد علي أحد * أرحت نفسي من حمل العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيته * لأدفع الشر عني بالتحيات وأحسن البشر للإنسان أبغضه * كأنه قد ملأ قلبي بالمسرات ولست أسلم ممن لست أعرفه * فكيف أسلم من أهل المودات الناس داء دواء الناس تركهم * وفي الجفاء لهم قطع الأخوات فخالط الناس واصبر ما بليت بهم * أصم أبكم أعمى ذا تقيات ونسب بعد ذلك للشافعي (وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة) قال العامري : أهل المعروف هم الملازمون له المكثرون بحيث يصيرون له أهلا وأما كيفية أهليته للمعروف في الآخرة فقد قال الخطابي : من بذل معروفه في الدنيا جوزي به في الآخرة وقيل : من بذل جاهه لأهل الجرائم دون الحدود كان في الآخرة عند الله وجيها مشفقا كما في الدنيا ، وعن ابن عباس يأتي المعروف يوم القيامة أهله في الدنيا فيغفر لهم به وتبقى حسناتهم فيعطونها من زادت سيئاته على حسناته حتى يغفر لهم ، وهذه الأحاديث الغرض منها الحث على إتقان علم المعاشرة فإن الحاجة إليه كالحاجة إلى علم الحكمة والسياسة فإن من لا خلق له ولا أدب يضطر إلى الانقباض والعزلة ولم يتسع للانبساط والمداخلة فيدخل عليه الخلف في أحواله والخلل في أموره قال تعالى لموسى * (فقولا له قولا لينا) * وقال تعالى * (وأعرض عن الجاهلين) * قال الحليمي : ولم يكمل علم حسن المعاشرة إلا للمعصوم فإن غيره إن ضبط شيئا أغفل بإزائه غيره.
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب فضل (قضاء الحوائج) للناس (عن) سعيد (ابن المسيب مرسلا).
4371 - (رأس العقل بعد الإيمان بالله الحياء وحسن الخلق) لأنهما أحسن ما تزين به أهل الإيمان ولهذا قال الأحنف : لا سؤدد لسئ الخلق وودع بعض العارفين أخا له عند سفره فقال له :
عظني.
فقال : وما المرء إلا حيث يجعل نفسه * ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل (فائدة) قال في الإحياء : ذرة واحدة من تقوى وخلق واحد من أخلاق الأكياس أفضل من أمثال
(4/5)


الجبال عملا بالجوارح.
- (فر عن أنس) وفيه يحيى بن راشد أورده الذهبي في الضعفاء وقال : ضعفه النسائي.
4372 - (رأس الكفر) وفي رواية رأس الفتنة أي منشؤه ذلك وابتداؤه يكون (نحو) بالنصب لأنه ظرف مستقر في محل رفع خبر المبتدأ (بالمشرق) وفي رواية للبخاري قبل المشرق أي أكثر الكفر من جهة المشرق وأعظم أسباب الكفر منشؤه منه والمراد كفر النعمة لأن أكثر فتن الإسلام ظهرت من تلك الجهة كفتنة الجمل وصفين والنهروان وقتل الحسين وفتنة مصعب والجماجم قيل : قتل فيها خمسمائة من كبار التابعين وإثارة الفتن وإراقة الدماء كفران نعمة الإسلام ويحتمل أن المراد كفر الجحود ويكون إشارة إلى وقعة التتار التي وقع الاتفاق على أنه لم يقع له في الإسلام نظير وخروج الدجال ففي خبر أنه يخرج من المشرق وقال ابن العربي : إنما ذم المشرق لأنه كان مأوى الكفر في ذلك الزمن ومحل الفتن ثم عمه الإيمان وأيا ما كان فالحديث من أعلام نبوته لأنه إخبار عن غيب وقد وقع قال ابن حجر : وهو إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة للمدينة وكانوا في غاية القوة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم ثم استمرت الفتن بعد البعثة من تلك الجهة (والفخر) بفتح الخاء ادعاء الشرف والعظمة (والخيلاء) بضم ففتح الكبر واحتقار الناس (في أهل الخيل والإبل والفدادين) بشد الدال وتخفف جمع فدان البقر التي يحرث عليه أو آلة الحرث والسكة فعلى التشديد فهي جمع فداد وهو من يعلو صوته في نحو خيله والفديد الصوت الشديد وعلى التخفيف فالمراد أصحاب الفدادين على حذف مضاف وأيد الأول برواية وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب البقر ووجه ذمهم شغلهم بما هم فيه عن أمر دينهم (أهل
الوبر) بالتحريك أي ليسوا من أهل المدر لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر وعن أهل البادية بأهل الوبر (والسكينة) فعيلة من السكون ذكر الصغاني أنها بكسر السين وهي الوقار والتواضع أو الطمأنينة والرحمة في أهل الغنم) لأنهم دون أهل الوبر في التوسع والكثرة وهما سبب للفخر والخيلاء أو أراد بهم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم.
(مالك) في الموطأ (ق عن أبي هريرة).
4373 - (رأس هذا الأمر) أي الدين أو العبادة أو الأمر الذي سأل عنه السائل (الإسلام) أي النطق بالشهادتين فهو من جميع الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه بدونه فلا أثر لسائر الأمور بدونه كما لا أثر لحياة الحيوان ، بدون رأسه ففيه استعارة بالكناية تتبعها استعارة ترشيحية (ومن أسلم سلم) في الدنيا بحقن الدم وفي الآخرة بالفوز بالجنة إن صحبه إيمان (وعموده) الذي يقوم به ويعتمد عليه هو (الصلاة) فإنها المقيمة لشعار الدين الرافعة لمنار الإسلام كما أن العمود

ليست هناك تعليقات: