الاثنين، 28 يناير 2013

الإباحية والربيع العالمى

"الإباحية " والربيع العالمي .. ! ) ....... مقال علميّ مطوّل 
ثورة معلنة على " الأمم المتحدة ".. ! 

بقلم : عمر غوراني 

" الإباحية " .. ! هذا المصطلح الذي تواضع عليه المعاصرون من كتّاب و إعلاميين و مفكرين و مثقفين لوصف تلك الحالة بل الظاهرة الشاذة في السلوك البشري ، و تحديداً " الجنسي " منه . 

و لا مشاحّة في المصطلح ، لاسيّما بالنظر إلى خطورة أمر الإباحية و شأنها ، و إلاّ فثمة ما يقال في دقة الاختيار – اللغوي على الأقل – لهذين المصطلحين : " الإباحية " و " الجنس " . .

و ما دمنا في سياق المصطلحات و تحديد معالم النص و أبعاده ، فإنني – و استباقا – لا أعني في نهاية المطاف بـ " الأمم المتحدة " هذه المؤسسة الدولية ، التي أنشئت عام 1945م لخدمة الإنسانية و حل أزماتها و تخفيف ويلاتها و آلامها ، و إن كنت أعنيها ابتداء ، وإنما أعني الأمم والشعوب ، التي تدفعها الحاجة الملحّة إلى الاتحاد للثورة عليها ..

و الإباحية تأخذ في واقع الحياة المعاصرة أشكالا ، منها : الزنا المجاهر ، و المثلية الجنسية ، و التعرّي ، و الترويج الإعلامي لهذه الأشكال ، بأشكاله : المقروءة و المسموعة و المرئية ، و منها كذلك : التشريعات " الإباحية " في دساتير بعض الدول و قوانينها الأساسية . و الأخيرة من هذه الأشكال الإباحيّة )التشريعات الإباحيّة) هي – فيما أرى – أشدها خطرا على الإطلاق .. !

و الزنا المجاهر و المثلية الجنسية المُشَرَّعان ، لا يخفى على ذي لبّ سويّ النفس ما فيهما من انقلاب على الفطرة السوّية السليمة التي فطر الله الناس عليها . و إذا تجاوزنا – جدلا – الفطرة السوية في الكلام مع منكري الفطرة أساسا ً، و القائلين : الحسن ما استحسنه هواي و القبيح ما استقبحه ..! أولئك الذين استجابت لهم ، بدعوى الحرّيات العامة و الحفاظ على حقوق الإنسان ، دول و حكومات و دساتير ..

فيا ليت شعري ، ألا تجعل تلك الدول و دساتيرها منطق العقل و مصالح رعاياها الحقيقية لا الآنية اللحظية – و منهم أولئك أصحاب الهوى – سيدا و حكما .. ؟

ألا تسمع تلك الدول المشرّعة للإباحية - حين تضع تشريعاتها – لأصحاب التخصّص العلماء في الطب الجسماني و النفساني و التربوي ، قبل أن تسمع لرغائب الناس و أهوائهم؟ ذلك أنّ الطبيب أدرى بدواء المريض من نفسه ، و إن كان مُرّا أو لا يوافق هواه ..

من ذا الذي – إن تُرك لهواه المحض – لا يرغب في سبيل لذّاته العاجلة و سروره الآني بالإنفلات من كل عقال و التحرر من كل قيد .. ؟ إن ّ في الحياة و مغرياتها ما يغوي الحليم صبابة .. !!

و يا ليت شعري ، ماذا يمكن أن نجد في قوانين تلك الدول المشرعة للإباحية لأناس أخبرهم مخبر أنه مصمم على الانتحار ، ثم جلس بينهم أو على مقربة منهم و أخذ يصبّ في كأس شرابه من السموم الشديدة .. ؟ تُرى ، أتقدّم هذه القوانين و التشريعات أولئك الناس الذين انتزعوا تلك الكأس من بين يديه – و لو بالقوّة – و كسروها للمحاكمة ، بدعوى الاعتداء على الحريات الشخصية .. ؟
و الله ما هذه إلاّ كتلك ، لمن أنصف و صرف هواه ..

و تلك الدول المشرعة للبغاء بأشكاله الشاذة كلها ، سواء أكان زنا أو مثلية ... بدعوى التباكي على الحريات و حقوق الإنسان ، ألا تأذن تشريعاتها لأولئك الفقراء الذين برّح بهم فقرهم المدقع في عواصم تلك الدول و ضواحيها – بصرف النظر عن أصولهم و أعراقهم – بأن ينقبوا جدران المصارف ( البنوك ) ليلا ً و يأخذوا من أموالها ما يحتاجون إليه ؟ بل تأذن لأولئك الذين لا يحتاجون إلى المال ، و هم أغنياء ، أن يفعلوا مثلما فعل الفقراء ، و لكن لغير حاجة بل جشعاً ، بدعوى الحريات الشخصية ..؟
و و الله ما هذه – كذلك – إلاّ كتلك .. !

فإذا خافت الدول المشرّعة على أصحاب المصارف و أموالهم من نزوة الفقراء أو الجشعين ، فخوفها على الناس من عقابيل الشذوذ ينبغي و الله أن يكون أشد ، فإنّ عقباه ، بل عواقبه على الناس أعظم خطرا .. !

فإذا توافقنا ، بعد هذا الذي تقدّم ، فما أسهل – بعد ذلك – أن نتوافق على صيغ و إجراءات عملية لضبط سائر المظاهر الأخرى المؤدية – بلا شك – إلى تسعير الغرائز و تسجيرها ، و دفع الناس أصحابها – و كلنا أصحابها – قسرا إلى السلوكات الشاذة من زنا و نحوه ..

و ما أعنيه من المظاهر المؤدية قطعاً إلى تسعير غرائز الناس و دفعهم أو جلّهم إلى الشذوذ ، ما أحسبها إلاّ واضحة بيّنة ، و أعني : العري ، و ما يخدمه من ترويج إعلامي و تشريعات دستورية . و العري قد أخذ – وا أسفاه لما فعلته المدنية المعاصرة بنفسها – أشكالا ًيلعن بعضها بعضاً ؛ جزئي وكلّي ، ما بين عروض الأزياء ، و عروض ملكات الجمال – أو ما يسمى بذلك – و أندية العراة .. بل لقد وصل الحال بالسلوكات الشاذة إعلاميا – إذا صحّ التعبير- أن ُتقدّم لنا المدنية الراقية بتطوراتها المذهلة تقنيا : الصورة الحية و المباشرة لأدق دقائق الحياة الجنسية ، السوية أو الشاذة ، ما بين زوجين ، أو مسافحين أو شاذين ..!

و و الله ما أرى خروجا من أسوار العقل و حدوده أبعد من هذا ، إلاّ التشريعات التي تأذن به و تحميه ، أو لا تسنّ ما يجرّم هذا الفعل السلوكي و الإعلامي و يلاحقه قضائيا ، و قد جرّمت – كاذبة ً– الإرهاب و المخدرات و لاحقتهما ..

أنا أدري بأن ّعلماء مختصين مما ذكرت ، في الطب بفروعه المذكورة ، و علماء شريعة و رجال دين ، و مفكرين و فلاسفة معاصرين ، قد كتبوا أو خطبوا بأدقّ مما كتبتُ و أبلغ .. و النتيجة ما نرى : صيحة في واد أو نفخ في رماد .. فما الحل و قد أدرك العالم كله ؛ مختصّوه و عامتّه ، تقيهم و فاجرهم أمام الواقع المرعب و دلالات علمية قاطعة لا تقبل الدفع أو النكران ؛_ لقد أدركوا ما أصاب العالم من دمار بفعل السلوكات الجنسية الشاذة ، و ما هو مقبل عليه العالم من دمار أشدّ بفعلها ، لم تعد تجدي معه أرصدة ضخمة رصدتها الدول الكبرى لمقاومة أوبئة جنسية مدمرة على نطاق هائل الاتساع ؛ كلما فرحوا و احتفوا بالخلاص من وباء ، أو بشّروا بانحساره ، جاءهم ما هو أظلم و أطغى ..! و ما الظلم و الطغيان إلاّ من تلك الحكومات المشرّعة للفسق أولا ، و من المنغمسين في الفسق أنفسهم .

و إنّي و الله لأعجب من مدنية أنتجت عقولها هذا الذي أبهر و أذهل ، و يكاد العقل – لعظمته الخدمية – يعجز عن تصديقه لولا أنه واقع مشاهد .. ثم بعد ذلك ، هذه المدنية ذاتها ، تقدم برعاياها و بمحض اختيارها و اختيارهم على انتحار جماعي ، بل أممي ، بحجة الحريات و حقوق الإنسان ..!

و إن كان أحد في شك مما أقول ، أو ينسب إليه المبالغة و التهويل ، فما أحسبني و لا أنتم ، بحاجة إلى كبير عناء لصرف هذا الشك عن نفسه ، و لا يحوج الأمرإلى أكثر من إحالته على الإحصاءات مرعبة النتائج التي قام بها الغرب نفسه و من خلال مختصين ذوي آليات يعرفونها جيدا ، ليعرف حجم الدمار من ضحايا الأوبئة الجنسية من الُعُصاة الخاطئين . و أما الضحايا من الأبرياء ، الذين ليس لهم ذنب فيما أصابهم ، إلاّ السكوت عن هذا الجنون المجتمعي أو الدولي ، فهم ما بين عفيفة زوج لفاجر ، أو عفيف زوج لفاجرة ، أو مريض مستشفٍ صار بالدم غير الطاهر .. ضحية قد أضيف إلى مرضه آخر لم يكن في حسابه ، بل أجنّة رأت النور أول مرة تحمل معها – في نفسها – جرائم لم ترتكبها ..

فأي حّريات .. و أي حقوق إنسان ، هذا هو حصادها المرّ .. ؟!

ألا يحق للمرء في أوطان تعيش يوميات الدمار أن يلقي على ممثليه في مجالس الشعب ( البرلمانات ) و الحكومة و الدولة و على المؤسسات الرسمية و الشعبية و حتى الدولية ذات العلاقة _ السؤال :
إلى أين المصير ..؟

أم إنّ الضحايا المليونية في الغرب من المصابين ، ناهيك عن الأرصدة الضخمة التي تصرف من جيوب المواطنين لم تصل بعد إلى الحد الذي يستوجب قرع ناقوس الخطر ..؟ أم إنه وصل و لم يشعر الناس ؟ أو شعروا ، و ليس بيدهم – و هم في مجتمعات ديمقراطية أو هكذا تسمى – حيلة و لا وسيلة ؟
إنني أقرأ هذه الجملة من القرآن العظيم : " نسوا الله فأنساهم أنفسهم " و لا أستطيع – و لا إخالني أستطيع- فهمها ، إلاّ بأمثلة من مثل هذا ..!

و إذا عجزت" منظمة الأمم المتحدة " عن القيام بواجبها الإنساني - الذي من أجله أسست – أمام الدول الكبرى و جبروتها و أطماعها ، و حماية الدول و الشعوب المستضعفة من كيد أولئك الطغاة ، بل توفر لها في كثير من الأحيان غطاءها ( القانوني ) لجرائمها .. فهل تعجز مؤسساتها المتخصصة ذات العلاقة التابعة لها عن توفير الدعم الثقافي و الإعلامي لمنع هذه الجرائم الإنسانية العالمية الكبرى ؟ أو قل : على الأقل القيام بحملات إعلامية و تثقيفية مضادة جادة لا باردة .. !
أين جهود اليونسكو ..؟ و أين جهود منظمة الصحة العالمية .. ؟

ألا يحق لتلك الشعوب أن تستصرخ تلك المنظمات و المؤسسات و الجمعيات ، أن ْ : أوقفوا هذا الدمار النازل قبل الدمار الآجل الذي تتخوفونه ؛ تتخوّفون من القنابل الذرية و الأسلحة النووية ، و لا يبدو أن دمارها من هذا النازل أشد و لا أخطر ..

لا أدري - و أنا المحب للتفاؤل و الاستبشار - لمَ أجد نفسي منقبضة غير متفائلة حيال جهود جادة يمكن أن تبذلها المؤسسات المعنية التابعة للأمم المتحدة . كل ما في الأمر جهود و لكن غير جادة ، غناماها : التباكي على الأطلال – و لا أقول البكاء – و الرثاء لما حل بالإنسانية من عقابيل هذه الأمراض الفتاكة ، الناجمة عن " الإباحية " ..
و لا أجدني كذلك مستبشرا خيرا بأن يسمع أحد من أصحاب القرار أو النفوذ و السلطان لنداءات العقلاء و أصحاب الاختصاص ، بل كما ذكرت آنفا : صيحة في واد و نفخ في رماد ..

و لكن ، و قبل المضي فيما أريد ، بل خلاصة ما أريد ، ألا يحق لنا التساؤل عن السر في مثل هذه الظاهرة العجيبة ؟ و أعني : دول أبهرت في إنجازات علمية و لم تكن هذه الإنجازات إلاّ بانتماء هذه الدول للمعنى الحقيقي و الدقيق لمفهوم الدولة ، و التزامها العملي بهذا المعنى _ ألا يحق لنا أن نتساءل : كيف تسير هذه الدول برعاياها إلى الجنون و الانتحار ، بالانغماس في حمأة " الإباحية " مشرّعة ً دساتيرُها ذلك ؟ و الأدهى من ذلك كله و أمرّ ، أن هذه التهلكة ، التي ألقوا بأنفسهم فيها ، إنما هي - بزعمهم – بدافع من الانتصار لحقوق الإنسان ، بإتاحة الحريات ، حتى الشاذ منها و المريض و المدمّر ..!

غير معقول البتّة ، أن الدولة المعاصرة ؛ دولة المؤسسات الفاعلة و الأدمغة الخلاقة ، عاجزة عن الإدراك أن الحريات و حقوق الإنسان – بنتائجها الكارثية هذه - بحاجة إلى العودة إلى تلك الحريّات مرّة أخرى للنظر فيها ، لتحديد مفاهيمها بدقة أولا ً، و للعمل بصورة بالغة الجدية ، تدرك حجم الخطر و تضع القوانين الفاعلة الكفيلة بتدارك الكارثة و إنقاذ الناس من أنفسهم ، و تضمن تصحيح المعادلة المقلوبة ، قائمة ً على التشريع بالنظر إلى المصالح الحقيقية للناس ، و ليست الموهومة ، و ذلك بالاستماع إلى ذوي الاختصاص لا إلى أصحاب الأهواء و إن كانوا أعضاء في ( البرلمان ) فإن الحَسَنَ ما استحسنه العقل و المنطق و أجازه العليم الخبير ..!

أقول : غير معقول ذلك البتة ، و لكني - و أنا الباحث عن السبب – أجدني شديد الميل إلى أن الأمر لا يتعلق بأهواء الناس و رغباتهم و شهواتهم و حسب ، إن الحسبة – ساعتها – بسيطة ! و إن الناس ، و إن بدوا مع أهوائهم و شهواتهم في سكرة ، إلا ّ أن الناس كذلك قد ألهمت نفوسهم تقواها مثلما ألهمت فجورها .. و هي إلى أن تثوب إلى رشد أقرب ، و أن تتسلى عن عمايات الهوى إلى الحق أدنى ، إذا توافرت النوايا المخلصة و الجهود الصادقة ، لاسيما و الناس تحت مطرقة أهوائهم يهشّمون و يطحنون ..!

أقول : ليس السر كله في هوى الناس و شهواتها ، و إنما أرى السر الأعمق و الأشد خفاءً ، إنما هو في (المافيا) الحقيقية قبل أن تظهر ( المافيا ) اسما ً أو مسمى !!
أجل ، إنها (المافيا) .. مافيا المال و سلطانه الجشع ؛ لا تستمع – هي الأخرى – لنداء عقل أو حق ، و إنما الصوت الأعلى عندها للمال و سلطانه ..

و حتى يُضمن استمرار سيل المال من مكاسبه الخبيثة غير المشروعة ، فلا بد من النفث في أهواء الناس ، و تسعير رغائبهم الذميمة و شهواتهم و تسجيرها ، مغالطة تلك ( المافيات ) مرّة أخرى ، و على لسان الحكومات و مشرّعيها .. بالرغبة في تنظيم فوضى الزنا في بيوت بغاء مشروعة ، حفاظا على الإنسان و حقوقه في أجره ، و الرعاية الصحية لجهازه التناسلي .. ! و كذلك في شركات الإنتاج الكبرى و ما تفعله في عالم " السينما " و " التلفاز " و المرئيات الأخرى بسائر صنوفها و أنواعها .. مسعّرة مسجّرة ..

و المسألة جدلية ؛ أي : حلقة مفرغة ؛ المال ثم المال ، ثم ماذا بعد ؟ تسجير لغرائز الناس من أجل كسب مال يصل بعضه ضريبة إلى خزينة الدولة .. و بعد ؟ أمراض فتاكة من مفاعيل غرائز الناس تأخذ أشكال وبائية و جوائح في جهات من العالم لا تلقى تلك الرعاية الصحيّة التي في الغرب وتحدّ – جزئيّاً – من الكارثة .. و بعد .. ؟ ميزانيات ضخمة ترصدها الدول الغنية القويّة تصل في بعض الأحيان إلى ميزانيات دول فقيرة بأكملها .. من أجل ماذا ؟ لحماية رعاياها من مرض جنسي وبائي حلّ بالأمّة ، أو لمنع إرهاصات مرض جنسي آخر ..!!
ألا ترى ، كيف ( نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) ؟

و إذا كانت منظمة ( الأمم المتحدة ) عاجزة عن الانسجام مع اسمها فعليا ً ، حتى في الشؤون الخدمية الإنسانية بالإجمال ، فلا بد إذن من الانقلاب ، بل الثورة ..! الثورة على استخفاف هذه المنظمة بعقول الناس ، و زعمها بأنها تمثلهم و قامت لخدمتهم و من أجلهم إنسانياً في المقام الأول ..

أرأيتم يوماً انقلابيين أو ثائرين يعلنون سلفاً - انقلابهم و خُطّتهم – و على الملأ – و قبل أن يقوموا بذلك إعلانا .. ؟

و ماذا في خطة هذا الانقلاب ، أو هذه الثورة .. ؟
لا شيء .. أمورّ يسيرة ، أوّلها نزع هذا الاسم العظيم : " الأمم المتحدة " عن هذه المنظمة التي ما رعته حق رعايته ، و ردّه إلى أصحابه الحقيقيين .. و أصحابه الحقيقيون هم : كل فرد في أي أمّة أو شعب من شعوب هذه الأرض ، ساءه دور " الأمم المتحدة " و يسرّه التّغيير .. تجمعهم الإنسانية أمّهم جميعاً إلى حضنها و تضمهم في وحدة عفوية تلقائية ابتداءً ، بعيدا عن الدول الكبرى و الحكومات و هيمنتهما و مصالحهما الجشعة و آفاقهما الإنسانية الضيّقة ..
ثم لا تلبث هذه العفوية التلقائية أن تجد نفسها في حاجة إلى تنظيم .. لتؤدي مهماتها على الوجه الأكمل ، إذ لا بديل عن التنظيم إلاّ الفوضى ! و لكن هذا التنظيم – هذه المرّة- لن يكون إلاّ على أسس إنسانية محضة ، لا على أساس الأمم الغالبة و حصتها الأكبر .. و لن يلدغ المجتمع الإنساني من جحر واحد مرّتين ..
فإذا اجتمع الصادقون بنواياهم المخلصة على هدفهم الأنبل و الأسمى على الإطلاق ، حدث التغيير – لا محالة – و سعدت الإنسانية بأبنائها و سعدوا بها ، حين يجنون ثمار السعد بعد زقّوم الشقاء ..

و حتى لا تكون وحدة " الأمم المتحدة " الجديدة على الطريقة العربية ؛ دفع براميل الحدود بين الأقطار بالأرجل ، أو ركوب الرئيس للـ ( بلدوزر ) لدفع السياج بين القطرين و إعلان الوحدة بدفعه ..
و حتى لا تكون الوحدة " إنشائية " أي محض صياغة أدبية جميلة ..
فمثل هذه الحركة الثورية لا بد أن تجد لها مؤمنين بها ، و هذه من أيسر العقبات ؛ فالمؤمنون بالملايين أو المليارات .. إنّهم هم أنفسهم الكافرون بـ " الأمم المتحدة " القائمة ..!

و لا بد كذلك من توقّع وقوف الحيتان العملاقة سدّاً منيعاً في وجه كل تغيير .. و لا أعني بالحيتان العملاقة الدول العظمى و حسب ، بل و معها الشركات العملاقة كذلك .. !

و لا بد كذلك ، من الاعتدال في سقف المطالب ، و التدرُّج في سُلّمِها .. بادئة بالمُلِحّ ، القائم على دفع الكوارث النازلة ، بتوحيد مطالب الناس بالمشترك الإنساني لهذه الكوارث .. و أعني : ما اشترك الناس فيه كلّهم من مصاب نازل ، كالذي نحن فيه من الحديث عن " الإباحية " و عقابيلها الكارثية المدمّرة ..
و لا بأس بعد ذلك من الارتقاء في سلّم المطالب الإنسانية ، من دفع المفاسد إلى جلب المصالح ، حتى يبلغ سقف المطالب السماء السابعة ! و أعني المطالب الكبرى التي يرتضيها الحكم العدل العظيم سبحانه ، و أرسل بها رسله ؛ من الحق ،و العدل ، و الكرامة الإنسانية ، القائمة لا على أهواء الناس و رغائبهم و شهواتهم الآنيّة العاجلة ، بل على ما يُثمر سعادتهم و خيرهم الدائمين المُتّصليْن ..

و إذا كان " للمثليين الشواذ " شجاعة ، بل وقاحة ، في المطالبة بحقوقهم المزعومة الموهومة بالتظاهر أمام الحكومات و المؤسسات ، فإنّ الأسوياء الأطهار أوْلى بالشجاعة للمطالبة بحقوقهم و حقوق الإنسانية جمعاء – بما فيهم هؤلاء الشواذ ّ - في إنسانية سعيدة سويّة طاهرة من مظاهر الإباحيّة كلّها ، و على رأس تلك المظاهر، تلك التشريعات في دساتير بعض الدول ، التي تستبيح – باسم الحرية و حقوق الإنسان – حرّية الإنسان و حقوقه و إنسانيته .. !

(منقول من موقع الأستاذ /عمر غورانى على الفيسبوك )


ليست هناك تعليقات: