الأحد، 10 يناير 2010

لا يصح إلا الصحيح

المهندس محمد رضا من الإسكندرية يسأل :
إذا أجبرت البنت على الحجاب ,ألا يمكن بمرور الزمن أن تعتاد 
عليه وترضى به ؟
وعلى فرض أنها لم ترض به أليس من حق بل من واجب ولى الأمر أن يجبرها على طاعة الله ؟
يا بنى العزيز .
لقد صعّبت المسألة ,وقد يسرها الله .
وحتى لاتتشعب بنا المسائل والآراء تعال نحتكم إلى كتاب الله تعالى ,ففى القرآن الكريم نقرأ"لاإكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى "هذا هو الأساس المعتمد .ولكن ما معنى الإكراه ؟
الإكراه هو إجبار المكلف على غير ما يريد .
أما غير المكلف فليست له إرادة معتبرة شرعا ,ولذا لايتصور فى
حقه إكراه ,معنى هذا أن أمر غير المكلفين مرده إلى التربية عن 
طريق القدوة الحسنة ,فالصغيرة إذا رأت أمها وأختها الكبيرة
ترتديان الحجاب فإنها تقلد شأن الأطفال وتشب على هذافيكون لها
سلوكا حتى قبل أن تبلغ وتفهم ,وهنا تسير الأمور سيرا طبيعيالا
مشكلة فيه .
ولكن المشكلة تبدأ عندما تسير الأمور فى نطاق الأسرة عشواء
كل يفعل ما يشاء,وفجأة يصحو الأب أو الأخ ,ويريد أن يصحو معه الجميع على النسق الذى يريد ,وقد يكون مدفوعا بحبه لهم
وشعوره بالمسؤولية نحوهم ,وإن كان أسلوبه فى كثير من الأحوال غير مجد .
إن تغيير السلوك لا يكون بالضغط الخارجى ,بل يكون بالقناعة
الذاتية ,فالإنسان يتغير إذا رغب هو فى التغير,وهو سيرغب فى التغير إذا أحس أنه محتاج إليه ,وأنه يمثل له شيئا مهما ,أو يضيف إليه إضافة يهواها .وبهذا يكون التغييرسلوكا محبوباودائما
أما أسلوب الإجبار فقد ينجح ظاهرا,ولكنه نجاح خادع كاذب يتبخر عند أول اختبار ,فإذاغابت الساطة الضاغطة ظهر المستور
(ورجعت ريمة لعادتها القديمة ).
فلا بد من التربية الصحيحة ,هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله :"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو 
ينصرانه أو يمجسانه "أى أنه يعترف بدور الأبوين أى المحيط
الأسرى ,وانظر إلى فعله صلى الله عليه وسلم فى أبناء بعض الأنصار الذين تركهم آباؤهم فى رعاية اليهود ,وعندما طرد يهود
من المدينة خرج معهم هؤلاءالأبناء فأراد آباؤهم منعهم ,فلم يقرهم
الرسول صلى الله عليه وسلم وتركهم يرحلون .
لقد حدث الخطأ من البداية ,وتشكل هؤلاءعلى شاكلة يهود ,فما فائدة إجبارهم على شكل لم يألفوه ؟لقد فات الأوان .
والدرس المستفاد هنا أن للتربية وقتا يجب أن نحسن استغلاله
فإذا أحسنا فى ذلك وسار أبناؤنا على الجادة فلله الحمد ,وإذالم
يستجب أولادنا -رغم قيامنا بواجبنا-فلسنا ملومين .
ولنا فى الرسل عليهم السلام الأسوة ,فهذا نوح عليه السلام وهو
من أولى العزم من الرسل لم يقصر فى حق ابنه,ومع ذلك كان مع الكافرين ,فما ذنب نوح عليه السلام وما حيلته ؟وقد أبرأإلى
الله ذمته ؟
إننا ولدنا أولادنا ,ولكنا لم نلدهم باختيارنا ,ولم نخلقهم ,إن الله
تعالى وهبهم لنا ,وناصيتهم مثل نواصينا بيده وحده ,ومن هنا
يجب أن يكون المنطلق .
يجب أن نفهم ونُفهم أطفالنا أننا نحن وهم عباد الله ,وأن الله كلفنا
بنصحهم ,وكلفهم بنصحنا ,ونحن نقبل من أولادنا أن يذكرونا بواجب قد ننساه,ونفرح بذلك ,والله يجزيهم عليه ,وبهذا ينظر
أولادنا إلينا على أننا وهم سواء أمام الله ,وأن الأب ليس طاغية
إنما هو يؤدى واجب التذكير والتربية ,وأن الله سيحاسبه إذا قصر فى هذا,لذا أطلب منك ياولدى أن تساعدنى على طاعة الله فيك
فإن أبيت فلن أملك لك من الله شيئا ,ولك أن تختار لنفسك ,أن
تكون مثل (إسماعيل بن إبراهيم )عليهما السلام ,أو تكون مثل ابن نوح عليه السلام .
تعامل مع أولادك على أنهم كبار,واغرس فيهم المسئولية وحب
الواجب ,واعلم أن سياسة الإجبار تخنق الاستقلال فى الشخصية
وتوجد شخصا إمعة لا يعتمد عليه ,ولا أحد يحب لأولاده هذا المصير.
واعلم يا عزيزى السائل أن ابنتك المحجبة بالإكراه ليست محجبة
شرعا ,لأن الحجاب عبادة ولا تنعقد العبادة إلا بالنية ,ولانية مع
الإجبار,أى أنها سافرة ولو ألقيت عليها أطنان الثياب .
...مصطفى فهمى ابو المجد

ليست هناك تعليقات: