الخميس، 18 يوليو 2013

عمر غورانى يكتب من فلسطين


الديمقراطيّة الفاجرة ..

( 2 )

الإخوان .. ومصر ، ومرسي !

عمر غوراني

هي دعوتي المجنونة الثانية – إن شئتم - أجعلها في ختام مقالي .. بعد دعوتي الأولى للحوار في سوريا بين النظام والثوّار ، على رأس أحد عشر شهرا ً من الثورة هناك والدماء تسيل ..

أمّا كاتب السطور ، فإنه لم يكن يوما ً منخرطا ً في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ، مثلما لم يكن كذلك منتميا ً لأيّ حزب أو فصيل من الأحزاب الإسلاميّة أو القوميّة أو القطريّة ، سواء ٌ أكانت عقـَديّة فكريّة أو وطنيّة تحرريّة .. ولا يعني ذلك أنني لا أؤمن بفكرة التحزّب أو التأطـّر ، فإنه ليس ضدّ التنظيم أو البديل عنه إلا ّ الفوضى .. غير أنّ ذلك قد أتاح لمطبوع على الشغب الفكريّ أن يـُكوّن قناعاته الخاصّة في كلّ ما يـُطرح ، بعيدا ً عن سلطان حزبه أو جماعته ..

أمّا الإخوان المسلمون ، فلا يصحّ عندي البتـّة ما ينسب إليهم الخصوم من ولاء للأجنبيّ أو أيد ٍ آثمة تكيد للأمّة .. بل إنّ الولاء لأمتهم الإسلاميّة والنصح لها غايتهم وأبرز سماتهم ، إلا ّ أنّ إعلام الأنظمة المضلـّل يقلب المحاسن مساوئ ويجعل الهزائم انتصارات ، لا سيما في حال مغيّبين في السجون أو القبور ، لا صوت لهم ولا نصير ..

وإنّ من المفارقات العجيبة المحزنة ، أنّ خصوم الإخوان من الأنظمة كانوا يذبّحونهم ويزجّونهم في السجون بدعوى صلتهم بالأجنبيّ والأمّة تصـّفق .. في وقت كشف التاريخ أنّ الذي تواصل مع ذلك الأجنبيّ نفسه ، ومنذ صعوده إلى الحكم وقبله وأثناءه وبصورة جدّ مريبة ، إنما هم خصومهم الذين اضطهدوهم .. ! وهذه الحقائق الخطيرة ، ليست من أفواه الإخوان ولا مدوّناتهم ، بل هي من أفواه الأنصار والأعوان ؛ أنصار خصومهم من الأنظمة وما سطـّروا .. !

وأمّا جهاد الإخوان في فلسطين ومصر وحيثما أتيح لهم الجهاد ، فمعلوم لا يكفر ولا يـُجحد ..

***

أمّا مرسي ؛ فخامة رئيس جمهوريّة مصر العربيّة ، فإنّ زمن حكمه ترجع بدايته إلى سنة واحدة فقط .. تفاصيل يومياتها بادية غير خافية ، خاصّة وهي مقرونة منذ البدء بتتبع لصيق من الخصوم من بعد (ثورة ) شدّت انتباه العالم في وطن ذي موقع ومكانة كبيرين ..

ومن بعد ثورة على نظام طغى عقودا ً ، لم يشلّ النظام الحياة طوالها ويوقف مسيرة الأمّة وحسب ، بل وأخّر كلّ مظهر للتقدّم وعلى كلّ الصعد : الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة ، والمحليّة والقوميّة والعالميّة .. لم يكن ليخطر بالبال قط ّ أنّ تسلك النخب والأحزاب في مصر – بعمومها – طوال هذا العام من حكم الرئيس المصريّ الأوّل المنتخب ، ما سلكت ..

قلنا بادئ الأمر : إنه الظمأ الشديد للحرّيات ، يترك أثره في الناس خطى ً تترنـّح ، لا تلبث أن تعتدل واثقة ً .. وقلنا : هي الريبة المشروعة في الحكـّام وقد لـُدغنا من جحورهم مرّات ومرّات .. وقلنا : هو الخوف على الثورة ومنجزاتها من بعد أن نجحت بشقّ الأنفس .. وقلنا : هي الرّقابة الواجبة ، كيلا تزلّ قدم بعد ثبوتها .. وقد شاركـْنا – في حينه - في كلّ هذا الذي ذُكر تحذيرا ً وتخوّفا ً وتنبيهاً ..

غير أنّ الأمر قد تعدّى كلّ هذه المقاصد ، وخرج عن الطبعيّ والمألوف ، إلى سلوك مناكف معرقل لا يخفى ، واضح كلّ الوضوح .. وصارت التهم بلا دليل تكال جـُزافا ً .. وصارت العراقيل – ومنذ البدء – تأخذ شكلا ً ممنهجا ً مبرمجا ً تـُجمع له التحالفات .. وازداد التعقيد حتى زُجّ بالقضاء ؛ ميزان الله على الأرض في الصراع ، حتى سُيّس وما كان له أن يسيّس ، في معارك قضائيّة مسيّسة بكلّ تفاصيلها ..

وصار الصراع على الحكم يأخذ شكل العداوة الحزبيّة الصريحة ، وإن كانت معركة الصراع الحزبيّ قد بدأت مبكّرا ً ، وبعد سقوط مبارك مباشرة .. مما يشي بسلوك حزبي مستقبلي غير نزيه ، وإن نسبناه في حينه إلى مراهقة سياسيّة ، قلنا : لا تلبث أن تبلغ وترشد ..

وصرنا ، ومنذ بدايات حكم مرسي نسمع عن ألسنة أغلب النخب ورؤوس الأحزاب السياسيّة يرددون مصطلح : " الإسلام السياسي " وهو في سياق كلامهم رديف لـ " الصهيونيّة " أو الـ " الإمبرياليّة " أو " النازيّة " أو غيرها مما يُستقبح ! وصاروا يهاجمون سلوك حزب " الحريّة والعدالة " بتسميتهم عامدين : " الإخوان " بدلا ً من اسم حزبهم السياسي .. بل صاروا يستدعون التاريخ الطاعن في الجماعة لتخوينهم .. وظلـّوا يطعنون في أحقـّية الإخوان تكوين حزب سياسيّ ، والإخوان لهم حزب ، ورئيس للدولة !

ولم تـُترك شبهة إلا ّ ووُظـّفت للطعن في الرئيس .. حتى كلماته ، فإذا قال : " أهلي وعشيرتي " قالوا : " هم الإخوان وحزبه ، أولئك هم الأهل عنده والعشيرة " .. وهم أنفسهم يعلمون أنه لا يعني إلا ّ الوطن وأهله ..

وقد سمعنا حتى من الفلول ، من يطعن على مرسي أنه لم يقطع العلاقات مع إسرائيل .. ! وقد صار الفلول للأسف – وعلى ألسنة رؤوس أحزاب من الثوّار - معترفا ً بهم ، بينما لم يعترفوا بمرسي ولا حزبه ولا جماعته ، وإن اعترف بهم القضاء والدستور وصاروا في السياسة والحكم !

وقد قلنا بعد نجاح الثورة مباشرة ، وقبل أن يـُعرف مـَن الرئيس القادم : إنّ إلغاء اتفاقيّة العار ؛ كامب ديفيد في الوقت الراهن ، وقبل أن تتعافى الدولة ، هو ضرب من الحمق السياسيّ أو السذاجة في أحسن وصف .. وأمّا رسالة مرسي إلى بيرس ، والتي وصفه فيها بـ " العزيز " أو " الصديق " فقد جاءت الرسالة في سياق بروتوكولي لتعيين السفراء ، وديباجتها تقليديّة متوارثة من عهود السلام .. لقد آن – في رأيي – الأوان أن نعيد النظر في خطابنا السياسي بمنطق العنتريّات التي ما قتلت ذبابة .. !

وقد عاب قوم على مرسي ، حتى من أشدّ مناصريه أخذه الناس باللين ، وأنه لم يضرب على أيدي المشاغبين والعابثين .. وهذا المأخذ ، وإن كان صحيحا ً في الأساس ، إلا ّ أنني ظللت على رأيي ومنذ بدايات حكمه وحتى الآن وبعدما انقلب عليه الانقلابيون ، أنه كان من الضروريّ أن يشعر الناس أنهم في عهد جديد يلين معهم قائدهم ولا يقمعهم كما العهد المظلم ، وإن شغبوا أو شتموا رئيسهم وسبّوه ، فليتجاوز عنهم وليصفح وليتصدّق عليهم بعـِرضه .. وقد فعل !

وذلك لا يعني البتـّة أن يترك دم الناس مطلولا ً ، وأن يـُقتل سبعون في ملعب آمنون ويعفو الرئيس أو سواه عنهم ! إنّ ذلك ليس لأحد من العالمين إلا ّ لأوليائهم ؛ أولياء الدم إذا عفوا .. كما أنّ ذلك لا يعني أن يترك الرئيس نفسه ألعوبة ضعيفا ً في قادة الجيش كطنطاوي وعنان دون أن يقيلهم ، وقد فعل .. ولقي ما فعله استحسان الناس .

لقد تصرّف – وهو مستجدّ على الحكم – بكفاءة عالية في حادثة استشهاد جنود سيناء الستة عشر في رمضان الفائت ، وأوفد وزير مواصلاته إلى الصعيد للوقوف على حادث قطار هناك ولم يكن يحدث ذلك في عهود سابقة ، وافتتح مصانع للسيارات والصناعات الثقيلة ، وذهب وطاقما ً متخصصا ً إلى أثيوبيا والسودان في زيارة سريعة وعاجلة على خلفيّة السدّ الأثيوبي ، وتدخّل شخصيّا ً لإنصاف يتامى من ظالميهم وردّ لهم أرضهم ومظلمتهم ...

كلّ ذلك في سنة ، هي جدّ قصيرة لإنجاز مهمّات أوطان كبيرة ورثت تركات ثقيلة من عهود فساد ناهبة .. وهي أشدّ قصرا ً مع سلوك منظّم ممنهج من العرقلة ، يمارسه خبراء يعلمون ما يصنعون ..

كنـّا نتمنى ألا ّ يعرقل المعرقلون ..لا لأجل مرسي ، ولا لأجل الإخوان ، أو حزب الحريّة والعدالة .. بل لأجل أولئك الذين افترشوا الأرصفة والتحفوا السماء ، أو أولئك الذين سكنوا المقابر وهم أحياء يبيتون على الطـّوى ..

وقبل هؤلاء وأولئك ، لأجل أنفسهم هم .. إن كنـّا نتحدّث عن أحزاب ونخب ، حتى يطمئنّ لهم الناس ، ويعلموا صدق مقولاتهم التي لا يفتؤون يرددونها :

الوطن أكبر من الجميع .. وأبناؤه أغلى من الأحزاب والأطر الضيّقة !

ليست هناك تعليقات: