اسم الباحث | الدكتور محمد بن حسين الجيزاني | |
المصدر | مجلة البحو الفقهية المعاصرة |
التحكيم | محكم |
المقدمة | الحـمد للـه رب العالمين، والصـلاة والسـلام على المبعوث رحمة للعالمين . أما بعد فإن الله عز وجل قد كتب لهذه الشريعة البقاء والخلود، وأمر الناس بالانقياد لها والدخول تحت أحكامها، لا فرق في ذلك بين القادر والعاجز، ولا بين المضطر والمختار . ومن هنا فقد جاءت شريعة الإسلام بتقدير حالات الاضطرار، ومراعاة أحوال المضطرين . ولا عجب فإنها شريعة رب العالمين، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . وبين يديّ بحث موجز في (حقيقة الضرورة الشرعية) يتضمن بيان معنى الضرورة، وضوابطها . وحيث إن المصادر التي تعرضت لمسألة الضرورة متنوعة فيمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام: أولا: كتب التفسير، خاصة ما عني منها بشرح آيات الأحكام، وذلك عند الكلام على آيتين من كتاب الله عز وجل، أولهما: قوله تعالى: (فمن اضطر) وثانيهما: قوله سبحانه: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) . ثانيا: كتب القواعد الفقهية، ولا سيما عند الكلام على قاعدتين كبريين، هما: قاعدة المشقة تجلب التيسير، وقاعدة الضرر يزال . ثالثا: كتب أصول الفقه، وذلك في مواضع عدة، أهمها: باب الرخصة والعزيمة، وتكليف المكره . رابعا: أبحاث المعاصرين؛ فمن ذلك: 1. نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي للدكتور/ وهبة الزحيلي . 2. حالة الضرورة في الشريعة الإسلامية للدكتور/ عبد الكريم زيدان . 3. نظرية الضرورة الشرعية: حدودها وضوابطها للأستاذ/ جميل محمد بن مبارك . وقد اقتضى المقام أن يكون هذا البحث في تمهيد وستة مطالب: التمهيد في ذكر الأدلة على اعتبار الضرورة في الشريعة الإسلامية . المطلب الأول: تعريف الضـرورة لغة واصـطـلاحاً . المطلب الثاني: العلاقة بين الضرورة وما يقاربها من المصطلحات . المطلب الثالث: أسباب الوقوع في الضرورة الشرعية . المطلب الرابع: ضوابط الضـرورة الشرعية . المطلب الخامس: حكم العمل بالضرورة الشرعية . المطلب السادس: القواعد الأصولية والفقهية المتعلقة بالضرورة . وقد ذيلت هذا البحث بخاتمة ذكرت فيها أهم النتائج، وبقائمة للمصادر والمراجع . أسأل الله جل شأنه أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأسأله تعالى أن ينفع بهذا الجهد، وأن يبارك فيه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين |
الخاتمة | الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فيطيب لي أن أسجل في هذه الخاتمة خلاصة لأهم نتائج هذا البحث: أولا: ورد اعتبار الضرورة في الكتاب والسنة وقواعد الشريعة العامة، فمن ذلك: قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) وقوله : (لا ضرر ولا ضرار) . ومن قواعد الشريعة العامة التي تدل على اعتبار الضرورة: كون هذه الشريعة مبنية على المحافظة الضروريات الخمسة: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وكونها مبنية على جلب المصـالح للعباد ودرء المفاسد عنهم، وكونها مبنية على التيسـير والتخفيف ورفع الحرج والمشاق عن المكلفين، وكون الأحكام الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاعة . ثانيا: يراد بالضرورة عند الفقهاء والأصوليين: الحاجة الشديدة الملجئة إلى مخالفة الحكم الشرعي . والحاجة عامة كانت أو خاصة تنزل منزلة الضرورة في جواز الترخيص لأجلها، وليس هذا على إطلاقه، وإنما يشترط لذلك أن يعم البلاء بهذه الحاجة ويكثر، أو يجري عليها تعامل، أو يرد في ذلك نص، أو يكون لها نظير في الشرع يمكن إلحاقه به . ثالثا: من أسباب الوقوع في الضرورة: الإكراه من ظالم، والمخمصة، والتداوي، ودفع الصائل، والقدر المشترك بين هذه الأسباب هو المحافظة على الضروريات الخمس: الدين والنفس والعقل والنسل والمال . رابعا: يشترط في اعتبار الضرورة شرعا أربعة شروط: 1. قيام الضرر الفادح وحصوله؛ يقينا أو غالبا . 2. تعذر الوسائل المباحة لإزالة هذا الضرر؛ فيتعين إذ ذاك ارتكاب المحظور لأجل إزالته . 3. أن تقدر هذه الضرورة، وهي ارتكاب المحظور بقدرها: من حيث الكم والوقت، وذلك بأن يُقتصر في ارتكاب المحظور على أقل قدر ممكن منه، وأن يتقيد الإذن في ارتكاب المحظور بزمن بقاء العذر . 4. النظر إلى المآل؛ بحيث ألا يترتب على العمل بالضرورة ضرر مساو أو أكبر من الضرر الحاصل . خامسا: العمل بالضرورة حالة مؤقتة ومسألة استثنائية، والواجب السعي الدؤوب الجاد لإزالة هذه الضرورة وبذل الجهد في سبيل رفعها، وعدم الركون إلى الترخص والاستسلام له والطمأنينة إليه . والعمل لرفع الضرورة أمر واجب، وهو من فروض الكفاية على هذه الأمة، وفرض متعين على القادرين منها . سادسا: حكم العمل بالضرورة الشرعية هو الإباحة، وذلك من حيث هي ضرورة . وأما بالنظر إلى ما يتصل بالضرورة من قرائن وأحوال فإن حكمها يدور بين الإباحة والوجوب، ولا يكون العمل بالضرورة الشرعية محرما بحال؛ حيث إن الضرورة الشرعية مشروطة أبدا بألا يعارضها مفسدة مساوية لها أو راجحة عليها . سابعا: قاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات) تحتاج إلى تقييد من جهتين: o أن الإباحة ها هنا بمعنى رفع الإثم والحرج، لا بمعنى التخيير بين الفعل والترك . o أن الضرورات لا تبيح كل المحظورات، بل هناك محظورات لا تباح البتة . ثامنا: مسألة الضرورة ذات صلة ببعض القواعد الأصولية والفقهية: فمن المسائل الأصولية المتصلة بالضرورة: الرخصة، والاستحسان، والمصـالح المرسلة، وتكليف المكره . وذلك أن الضرورة سبب قوي من أسباب الترخص، وهي تصلح أن تكون مستنداً للاستحسان، وقد تكون الضرورة قسما من أقسام المصـلحة المرسلة، كما أن الإكراه يعتبر سببا من أسباب الوقوع في الضرورة . وتندرج الضرورة تحت قاعدتين كبريين من القواعد الفقهية، أولاهما: المشقة تجلب التيسـير؛ حيث إن الضرورة من المشاق التي تستدعي التيسير والتخفيف، وثانيهما: الضرر يزال؛ حيث إن العمل بالضرورة في حقيقته إما أن يكون منعا للضرر قبل وقوعه، أو رفعا له بعد وقوعه . والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق