ما هى سماحة الإسلام في حالات الضرورة
وقد راعى الإسلام عدم إقامة الحدود في حالات الضرورة في حالة الإكراه والجوع والفقر، فالمكره على الزنا لا يقام عليه الحد، وكذلك حد السرقة في المجاعة كعام الرمادة في زمن عمر بن الخطاب –صلى الله عليه وسلم- وقد درس أ. د. وهبة الزحيلي حالات الضرورة وتوصل إلى أربع عشرة حالة وهي: ضرورة الغذاء ( الجوع أو العطش ) والدواء، والإكراه، والنسيان، والجهل، والعسر أو الحرج وعموم البلوى، والسفر، والمرض، والنقص الطبيعي ([1]) .
فكل هذه الحالات لها أحكامها ورخصها وتسهيلاتها وعدم المؤاخذة فيها، وهذا من عظمة هذا الدين أن يراعي هذه الحالات وما فيها من السماحة والعفو والتوسيع على الناس وعدم التضييق والتشديد والحرج.
قال القانوني الفرنسي " لامبير ": تعتبر نظرية الضرورة في الفقه الإسلامي أكثر جزمًا وشمولًا من فكرة وجد أساسها في القانون الدولي العام في نظرية الظروف المتغيرة ( شرط بقاء الحال على ما هو عليه ) وفي القضاء الإداري الفرنسي في نظرية الظروف الطارئة، وفي القضاء الإنجليزي فيما أدخله من المرونة على نظرية إيقاف تنفيذ الالتزام تحت ضغط الظروف الاقتصادية التي نشأت بسبب الحرب وفي القضاء الدستوري الأمريكي في نظرية الحوادث المفاجئة ([2]) .
ونجد تأثر المدرسة القانونية الألمانية وكذلك المدرسة القانونية الفرنسية الإنجلو سكسونية بالفقه الإسلامي في نظـرية الضرورة الشرعية يـقول أ. د. وهبـة الزحيلي: " تقوم نظرية الضرورة في القانون العام على نفس الأسس التي يبنى عليها حق الدفاع الشرعي في القانون الجنائي، لأن دفاع الدولة عن نفسها كدفاع الإنسان عن نفسه ضد ما تهدده من أخطار، والشرائع جميعها متفقة في اعتبار الدفاع الشرعي من موانع العقاب، إلا أنها مختلفة في الأساس الذي يبنى عليه هذا الحق وفي حدوده ومداه، وذلك على رأيين... يرى أن الدفاع من أسباب إباحة ما يرتكب بسببه من أفعال، ورأي آخر يقول: إن الدفاع مجرد عذر مانع من المسئولية الجنائية، وقد أخذت المدرسة الألمانية ومثلها في الجملة الفقه الإسلامي بالرأي الأول، وأخذت المدرسة الفرنسية الإنجلوسكسونية بالرأي الثاني، وهو يوافق بعض حالات الرخصة في الفقه الإسلامي ([3]) .
وأخيرًا فإن موضوع " سماحة الإسلام " ذو شجون وفنون، يبرهن أن الإسلام بريء من العنف والتطرف، وأنه دين التيسير والتلطيف، وأنه ديـن جاء ليبقى، قـال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} ([4]) .. الآية ولا غرابة فإنه دينٌ عالمي، فالمعبود بحق رب العالمين، ورسوله رحمة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَإِلَّارَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ([5]) وقـرآنه رحمة للعالمين، قال تعالى: { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} ([6]) وكعبته هدى للعالمين، قال تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } ([7]) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق