السبت، 8 فبراير 2014

سلمان الفارسى رضى الله عنه

سلمان الفارسي 
الباحث عن الحقيقة 

 من بلد فارس، يجيء البطل ھذه المرة.. 
ومن بلد فارس، عانق الإسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد، فجعل منھم أفذادا لا يلحقون في الإيمان ، وفي 
العلم.. في الدين، وفي الدنيا.. 

 وانھا لإحدى روائع الإسلام  وعظماته، ألا يدخل بلدا من بلاد ﷲ إلا ويثير في اعجاز باھر، كل نبوغھا . ّ ويحر : كل طاقاتھا، ويحرك خبء العبقرية  في أھلھا وذويھا

والأطباء المسلمون.. والفقھاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء 
الرياضة المسلمون.. 
واذا بھم يبزغون من كل أفق، ويطلعون من كل بلد، حتى تزدحم عصور الإسلام الأولى بعبقريات ھائلة 
في كل مجاالت العقل، والضمير.. أوطانھم شتى، ودينھم واحد..!

ولقد تنبأ الرسول عليه السالم بھذا المد المبارك لدينه..بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم.. 
ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الإسلام تخفق فوق مدائن الأرض، وقصور 
أربابھا.. 
وكان سلمان الفارسي شاھدا.. وكان له بما حدث علاقة وثقى. 

 كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للھجرة. اذ خرج نفر من زعماء اليھود قاصدين مكة، مؤلبين 
المشركين ّ ومحزبين الأحزاب على رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم والمسلمين، متعاھدين معھم على أن 
يعاونوھم في حرب حاسمة تستأصل شأفة ھذا الدين الجديد. 
ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يھجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجھا، بينما يھاجم  
بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، الذين سيقعون آنئذ بين شق الرحى تطحنهم طحنا
وتجعلھم ذكرى..! 
وفوجىء الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم. 
وسقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابھم يطير من ھول المباغتة. 
ّ وصور القرآن الموقف، فقال ﷲ تعالى: 
(اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت  الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا). 

أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوھا 
وليبطشوا بطشتھم الحاسمة كي ينتھوا من محمد ودينه، وأصحابه.. 
وھذا الجيش لا يمثل قريشا وحدھا.. بل ومعھا كل القبائل والمصالح التي رأت في الإسلام خطرا عليھا. 
انھا محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بھا جميع أعداء الرسول: أفرادا، وجماعات، وقبائل، ومصالح.. 
ورأى المسلمون أنفسھم في موقف عصيب.. 
وجمع الرسول أصحابه ليشاورھم في الأمر.. 
وطبعا، أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟ 
ھنالك تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما، واحتراما 
كبيرا. 

 ّ تقدم سلمان الفارسي وألقى من فوق ھضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة، فألفاھا محصنة بالجبال 
والصخور المحيطة بھا.. بيد أن ھناك فجوة واسعة، ومھيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منھا الحمى في 
يسر. 
وكان سلمان قد خبر في  فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال، فتقدم للرسول صلى ﷲ عليه 
وسلم بمقترحه الذي لم تعھده العرب من قبل في حروبھا.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع 
المنطقة المكشوفة حول المدينة. 
وﷲ يعلم ، ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد 
قريش تراه حتى دوختھا المفاجأة، وظلت قواتھا جاثمة في خيامھا شھرا وھي عاجزة عن اقتحام 
المدينة، حتى أرسل ﷲ تعالى عليھا ذات ليلة ريحا صرصرا عاتية اقتلعت خيامھا، ّوبددت شملھا.. 
ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل الى حيث جاءوا.. فلولايائسة منھوكة..!! 

 خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وھم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه 
عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معھم. وفي الرقعة التي يعمل فيھا سلمان مع فريقه وصحبه، 
اعترضت معولھم صخور عاتية.. 
كان سلمان قوي البنية شديد الأسر، وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره 
شظايا، ولكنه وقف أمام ھذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليھا بمن معه جميعا فزادتھم رھقا..!! 

وذھب سلمان الى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يستأذنه في أن يرى
الصخرة العنيدة المتحدية. 
وعاد الرسول  مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة.. 
وحين رآھا دعا بمعول، وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلا عن مرمى الشظايا.. 
، ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة، وھوى به على الصخرة، ّ وسمى باللهͿ
فاذا بھا تنثلم، ويخرج من ثنايا صدعھا الكبير وھجا عاليا مضيئا. 
ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيھا، أي يضيء جوانب المدينة.. وھتف رسول ﷲ صلى ﷲ 
عليه وسلم مكبرا: 
"ﷲ أكبر..أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منھا قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وان أمتي ظاھرة 
عليھا".. 

 ثم رفع المعول، وھوت ضربته الثانية، فتكررت ا لظاھرة، وبرقت الصخرة المتصدعة بوھج مضيء 
مرتفع، وھلل الرسول عليه السالم مكبرا: 
"ﷲ أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضاء لي منھا قصورھا الحمراء، وان أمتي ظاھرة عليھا". 

 ثم ضرب ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلاحها  وأضاء برقھا الشديد الباھر، وھلل 
الرسول وھلل المسلمون معه.. وأنبأھم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواھا من مدائن الأرض 
التي ستخفق فوقھا راية ﷲ يوما، وصاح المسلمون في ايمان عظيم: 
ھذا ما وعدنا ﷲ ورسوله.ز 
وصدق ﷲ ورسوله..!! 

 كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منھا بعض أسرار 
الغيب والمصير، حين استعان عليھا برسول ﷲ صلى ﷲ عيه وسلم، وكان قائما الى جوار الرسول يرى 
الضوء، ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشھا، وواقعا يحياه، فرأى مدائن 
الفرس والروم.. 
رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق.. 
رأى جنبات الأرض كلھا تھتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار 
الھدى والخير..

 وھا ھو ذا، جالس ھناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أمام داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن 
مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة، ويقص عليھم كيف غادر دين قومه الفرس الى المسيحية، ثم الى الإسلام
كيف غادر ثراء أبيه الباذخ، ورمى نفسه في أحضان الفاقة، بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!! 
كيف بيع في سوق الرقيق، وھو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟ 
كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام. وكيف آمن به..؟؟ 
تعالوا نقترب من مجلسه الجليل، ونصغ الى النبأ الباھر الذي يرويه.. 

 [كنت رجال من أھل أصبھان، من قرية يقال لھا "جي".. 
وكان أبي دھقان أرضه. 
وكنت من أحب عباد ﷲ اليه.. 
وقد اجتھدت في المجوسية، حتى كنت قاطن النار التي نوقدھا، ولا نتركھا تخبو.. 
وكان لأبى ضيعة، أرسلني اليھا يوما، فخرجت، فمررت بكنيسة للنصارى، فسمعتھم يصلون، فدخلت 
عليھم أنظر ما يصنعون، فأعجبني ما رأيت من صلاتهم، وقلت لنفسي ھذا خير من ديننا الذي نحن عليه، 
فما برحتھم حتى غابت الشمس، ولا ذھبت الى ضيعة أبي، ولارجعت اليه حتى بعث في أثري... 
وسألت النصارى حين أعجبني أمرھم و صالتھم عن أصل دينھم، فقالوا في الشام.. 
وقلت لأبى حين عدت اليه: اني مررت على قوم يصلون في كنيسة لھم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن 
دينھم خير من ديننا.. 
فحاورني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني.. 
وأرسلت الى النصارى أخبرھم أني دخلت في دينھم وسألتھم اذا قدم عليھم ركب من الشام، أن يخبروني 
قبل عودتھم اليھا لأرحل الى الشام معھم، وقد فعلوا، فحطمت الحديد وخرجت، وانطلقت معھم الى 
الشام.. 
وھناك سألت عن عالمھم، فقيل لي ھو الأسقف، صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه 
أخدم، وأصلي وأتعلم.. 
وكان ھذا الأسقف رجل سوء في دينه، اذ كان يجمع الصدقات من الناس ليوزعھا، ثم يكتنزھا لنفسه. 
ثم مات.. 
وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا على دينھم خيرا منه، ولا أعظم منه رغبة في الآخرة، 
وزھدا في الدنيا ودأبا على العبادة.. 
وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر ﷲ 
تعالى ما ترى، فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟ 
قال: أي بني، ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه الارجل بالموصل 

فلما توفي، أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء ﷲ أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، 
سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلد الروم، فرحلت اليه، وأقمت معه، واصطنعت لمعاشي 
بقرات وغنمات.. 
ثم حضرته الوفاة، فقلت له: الى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه، 
آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين ابراھيم حنيفا.. يھاجر الى أرض ذات نخل بين 
حرتين، فان استطعت أن تخلص اليه فافعل. 
وان له آيات لا تخفى، فھو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الھدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة، اذا رأيته عرفته. 

 ومر بي ركب ذات يوم، فسألتھم عن بلدھم، فعلمت أنھم من جزيرة العرب. فقلت لھم: أعطيكم بقراتي 
ھذه وغنمي على أن تحملوني معكم الى أرضكم؟.. قالوا: نعم. 
واصطحبوني معھم حتى قدموا بي وادي القرى، وھناك ظلموني، وباعوني الى رجل من يھود.. وبصرت 
بنخل كثير، فطمعت أن تكون ھذه البلدة التي وصفت لي، والتي ستكون مھاجر النبي المنتظر.. ولكنھا لم 
تكنھا. 
وأقمت عند الرجل الذي اشتراني، حتى قدم عليه يوما رجل من يھود بني قريظة، فابتاعني منه، ثم خرج 
بي حتى قدمت المدينة!! فوﷲ ما ھو إلا ان رأيتھا حتى أيقنت أنھا البلد التي وصفت لي.. 
وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث ﷲ رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني 
عمرو بن عوف. 
واني لفي رأس نخلة يوما، وصاحبي جالس تحتھا اذ أقبل رجل من يھود، من بني عمه، فقال يخاطبه: 
قاتل ﷲ بني قيلة انهم ليتقاطرون على رجل بقباء، قادم من مكة يزعم أنه نبي.. 
فوﷲ ما أن قالھا حتى أخذتني العرواء، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا، 
أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟ 
فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال: مالك ولھذا..؟ 
أقبل على عملك.. 
فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول ﷲ صلى ﷲ عليه 
وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له: انكم أھل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام 
نذرته للصدقة، فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به.. 
ثم وضعته، فقال الرسول ألصحابه: كلوا باسم ﷲ.. وأمسك ھو فلم يبسط اليه يدا.. 
فقلت في نفسي: ھذه وﷲ واحدة .. انه لا يأكل الصدقة..!! 
ثم رجعت وعدت الى الرسول عليه السلام في الغداة، أحمل طعاما، وقلت له عليه السلام: اني رأيتك لا
تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به ھدية، ووضعته بين يديه، فقال لأصحابه كلوا 
باسم ﷲ.. 
وأكل معھم.. 
قلت لنفسي: ھذه وﷲ الثانية.. انه يأكل الھدية..!! 
ثم رجعت فمكثت ما شاء ﷲ، ثم أتيته، فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتان 
مؤتزرا بواحدة، مرتديا الأخرى، فسلمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظھره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى 
بردته عن كاھله، فاذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي.

فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته حديثي كما أحدثكم 
الآن 
ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شھود بدر وأحد.. 
وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك"، فكاتبته، وأمر 
الرسول أصحابه كي يعاونوني. وحرر ﷲ رقبتي، وعشت حرا مسلما، وشھدت مع رسول ﷲ صلى ﷲ 
عليه وسلم غزوة الخندق، والمشاھد كلھا. ھذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4.

 بھذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل 
بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله باللهͿ، وترسم له دوره في الحياة.. 
فأي انسان شامخ كان ھذا الإنسان..؟ 
أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة، وفرضته ارادته الغالبة على المصاعب فقھرتھا، وعلى المستحيل 
فجعلته ذلولا..؟ 
أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لھا ھذا الذي أخرج صاحبه طائعا مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه الى 
المجھول بكل أعبائه، ومشاقه، ينتقل من أرض الى أرض.. ومن بلد الى بلد.. ناصبا، كادحا عابدا.. 
تفحص بصيرته الناقدة الناس، والمذاھب والحياة.. ويظل في اصراره العظيم وراء الحق، وتضحياته 
النبيلة من أجل الھدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه ﷲ ثوابه الوفى، فيجمعه بالحق، ويلاقيه برسوله، ثم 
يعطيه من طول العمر ما يشھد معه بكلتا عينيه رايات ﷲ تخفق في كل مكان من األرض، وعباده 
المسلمون يملؤن أركانھا وأنحاءھا ھدى وعمرانا وعدلا..؟!!

 ماذا نتوقع أن يكون اسلام رجل ھذه ھمته، وھذا صدقه؟ 
لقد كان اسلام  الأبرار المتقين.. وقد كان في زھده، وفطنته، وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب. 
أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي ﷲ عنه يقوم الليل ويصوم النھار.. 
وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على ھذا النحو. 
وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم، وكان نافلة.. 
فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي، وأصلي له..؟ ّ 
فأجابه سلمان قائال: 
ان لعينك عليك حقا، وان لأھلك عليك حقا، صم وافطر، وصل ونم.. 
فبلغ ذلك الرسول صلى ﷲ عليه وسلم فقال: 
" لقد أشبع سلمان علما ". 
وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا، كما كان يطري خلقه ودينه.. 
ويوم الخندق، وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المھاجرون يقولون بل سلمان منا.. 
وناداھم الرسول قائال:" سلمان منا آل البيت

 وانه بھذا الشرف لجدير.. 
وكان علي بن أبي طالب رضي ﷲ عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال: 
[ذاك امرؤ منا والينا أھل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟ 
أوتي العلم الأول، والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول  والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف]. 
ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السالم جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى. 
ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا، فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا، اذ جمع أصحابه 
وقال لھم: 
"ھيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!! 
وخرج بھم لاستقباله عند مشارف المدينة. 
لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما ّحرا، ومجاھدا وعابدا. 
وعاش مع خليفته أبي بكر، ثم أمير المؤمنين عمر، ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته. 
وفي معظم ھذه السنوات، كانت رايات الإسلام  تملأ الأفق، وكانت الكنوز والأموال تحمل الى المدينة فيئا 
وجزية، ّ فتوزع على الناس  في صورة أعطيت منتظمة، ومرتبات ثابتة. 
وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتھا، فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لھا.. 
فأين كان سلمان في ھذا الخضم..؟ وأين نجده في أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟

 افتحوا ابصاركم جيدا.. 
أترون ھذا الشيخ المھيب الجالس ھناك في الظل يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية ومكاتل..؟ 
انه سلمان.. 
انظروه جيدا.. 
انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصره الشديد الى ركبته.. 
انه ھو، في جلال مشيبه، وبساطة اھابه. 
لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاف في العام، بيد أنه كان يوزعه جميعا، ويرفض أن يناله 
منه درھما واحدا، ويقول: 
"أشتري خوصا بدرھم، فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراھم، فأعيد درھما فيه، وأنفق درھما على عيالي، 
ّ وأتصدق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نھاني عن ذلك ما انتھيت"!

 ثم ماذا يا أتباع محمد..؟ 
ثم ماذا يا شرف الإنسانية في كل عصورھا ومواطنھا..؟؟

لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعھم، مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي 
ذر واخوانھم، أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في 
البساطة.. 
فھا نحن أمام رجل من فارس.. بلد البذخ والترف والمدنية، ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس. ما 
باله يرفض ھذا المال والثروة والنعيم، ويصر أن يكتفي في يومه بدرھم يكسبه من عمل يده..؟ 
ما باله يرفض الإمارة ويھرب منھا ويقول: 
"ان استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل..". 
ما باله يھرب من الإمارة والمنصب، الا أن تكون امارة
 لا يصلح لھا سواه، فيكره عليھا اكراھا، ويمضي اليھا باكيا وجلا..؟ 
ثم ما باله حين يلي الإمارة المفروضة عليه فرضا يأبى أن يأخذ عطاءھا الحلال..؟؟ 
روى ھشام عن حسان عن الحسن: 
" كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفھا، 
ويلبس نصفھا.." 
"وكان اذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من عمل يديه..". 
ما باله يصنع كل ھذا الصنيع، ويزھد كل ذلك الزھد، وهو الفارسي، ابن النعمة، وربيب الحضارة..؟ 
لنستمع الجواب منه. وھو على فراش الموت. تتھيأ روحه العظيمة للقاء ربھا العلي الرحيم. 
دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان.. 
قال له سعد:" ما يبكيك يا أبا عبد ﷲ..؟ لقد توفي رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھو عنك راض". 
فأجابه سلمان: 
" وﷲ ما أبكي جزعا من الموت، ولاحرصا على الدنيا، ولكن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عھد الينا 
عھدا، فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وھأنذا حولي ھذه الأساود"!! 

يعني بالأساود الأشياء الكثيرة! 
قال سعد فنظرت، فلم أرى حوله الا جفنة ومطھرة، فقلت له: يا أبا عبدﷲ اعھد الينا بعھد نأخذه عنك، 
فقال: 
" يا سعد: 
اذكر عند ﷲ .. ّھم تك اذا ھممت
وعند حكمتك اذا حكمت.. 
وعند يدك اذا قسمت.." 

 ھذا ھو اذن الذي ملأ نفسه غنى، بقدر ما ملأها عزوفا عن الدنيا بأموالھا، ومناصبھا وجاھھا.. عھد 
رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم اليه والى أصحابه جميعا: ألا يدعواالدنيا تتملكھم، وألا يأخذ أحدھم منھا 
الا مثل زاد الركب.. 
ولقد حفظ سلمان العھد ومع ھذا فقد ھطلت دموعه حين رأى روحه تتھيأ للرحيل، مخافة أن يكون قد 
جاوز المدى. 
ليس حوله الا جفنة يأكل فيھا، ومطھرة يشرب منھا ويتوضأ ومع ھذا يحسب نفسه مترفا..

ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟ 

 وفي األيام التي كان فيھا أميرا على المدائن، لم يتغير من حاله شيء. فقد رفض أن يناله من مكافأة 
الإمارة درھم.. وظل يأكل من عمل الخوص.. ولباسه ليس الاعباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعھا.. 
وذات يوم وھو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر.. 
كان الحمل يؤذى الشامي ويتعبه، فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائھم، حتى بدا له 
أن يضع الحمل على كاھله، حتى اذا أبلغه وجھته أعطاه شيئا نظير حمله.. 
وأشار للرجل فأقبل عليه، وقال له الشامي: احمل عني ھذا.. فحمله ومضيا معا. 
واذ ھما على الطريق بلغا جماعة من الناس، فسلم عليھم، فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام 
وعلى الأمير السلام.؟ 
أي أمير يعنون..؟!! 
ھكذا سأل الشامي نفسه.. 
ولقد زادت دھشته حين رأى بعض ھؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين: 
عنك أيھا الأمير..!! 
فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي، فسقط في يده، وھربت كلمات الاعتذار والأسف من بين 
شفتيه، واقترب ينتزع الحمل. ولكن سلمان ھز رأسه رافضا وھو يقول: 
" لا حتى أبلغك منزلك"..!!

 سئل يوما: ما الذي يبغض الإمارة الى نفسك.؟ 
فأجاب: " حلاوة رضاعھا، ومرارة فطامھا".. 
ويدخل عليه صاحبه يوما بيته، فاذا ھو يعجن، فيسأله: 
أين الخادم..؟ 
فيجيبه قائال: 
" لقد بعثناھا في حاجة، فكرھنا أن نجمع عليھا عملين.." 

؟ فحين ّھم سلمان ببناء ھذا الذي ّ يسمى  وحين نقول بيته فلنذكر تماما، ماذا كان ذاك البيت..  

بيتا، بنى باللبن يظله من 
الحر، وتسكن فيه من البرد، اذا وقفت فيه أصابت رأسك، واذا اضطجعت فيھا أصابت رجلك"..! 
فقال له سلمان: "نعم ھكذا فاصنع". 

 لم يكن ھناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن اليه سلمان لحظة، أو تتعلق به نفسه اثارة، الا 
شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص، ولقد ائتمن عليه زوجته، وطلب اليھا أن تخفيه في مكان بعيد وأمين 

وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه، ناداھا: 
هاتى  التي استخبأتك"..!! 

فجاءت بھا، واذا ھي صرة مسك، كان قد أصابھا يوم فتح "جلولاء" فاحتفظ بھا لتكون عطره يوم 
مماته. 
ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه، ثم ماثه بيده، وقال لزوجته: 
"انضجيه حولي.. فانه يحضرني الآن خلق من خلق ﷲ، لا يأكلون الطعام، وانما يحبون الطيب". 
فلما فعلت قال لھا:" اجفئي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرھا به.. 
وبعد حين صعدت اليه، فاذا روحه المباركة قد فارقت جسده ودنياه. 
قد لحقت بالملأ الأعلى، وصعدت على أجنحة الشوق اليه، اذ كانت على موعد ھناك مع الرسول محمد، 
وصاحبيه أبي بكر وعمر.. ومع ثلة مجيدة من الشھداء والأبرار.

 لطالما ّبرح الشوق الظامئ بسلمان.. 
وآن اليوم أن يرتوي، وينھل.. 
(ملحوظة :هذا المقال والذى قبله من كتاب -رجال حول الرسول - لخالد محمد خالد رحمه الله تعالى )

ليست هناك تعليقات: