السبت، 8 فبراير 2014

مصعب بن عمير رضى الله عنه

صعب بن عمير 
أول سفراء االسالم 

 ھذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث. 
ّغرة فتيان قريش، وأوفاھم جماال، وشبابا.. 
يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أھل مكة".. 
ولد في النعمة، ّ وغذي بھا، ّ وشب تحت خمائلھا. 
ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير".. 
ّان، المدلل ّ المنعم، حديث حسان مكة، ولؤلؤة ندواتھا ومجالسھا، أيمكن أن ّ يتحول الى 
ذلك الفتى الري
أسطورة من أساطير الإيمان والفداء..؟ 
باͿ ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير"، أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين. 
ّاھم "محمد" عليه الصالة والسالم.. 
انه واحد من أولئك الذين صاغھم الإسالم ونبى الإسلام 
ولكن أي واحد كان..؟ 
ان قصة حياته لشرف لبني الإسان جميعا.. 
لقد سمع الفتى ذات يوم، ما بدأ أھل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى ﷲ عليه وسلم.. 
"محمد" الذي يقول أن ﷲ أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا الى عبادة ﷲ الواحد الأحد. 

وحين كانت مكة تمسي وتصبح  ، والحديث يشغلھا عن الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه، ّ
كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لھذا الحديث. 
ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه، زينة المجالس والندوات، تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين 
شھودھا، ذلك أن أناقة مظھره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب 
والأبواب.. 

 ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه، يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاھا.. ھناك على 
الصفا في دار "األرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد، والتلبث والانتظار، بل صحب نفسه ذات 
مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه... 
ھناك كان الرسول صلى ﷲ عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليھم القرآن، ويصلي معھم Ϳ ّ للعلي 
القدير.

 ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب الايات من قلب الرسول متألفة على شفتيه، ثم آخذة طريقھا الى 
الأسماع والأفئدة، حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية ھو الفؤاد الموعود..! 
ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير. 
ولكن الرسول صلى ﷲ عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لمست الصدر المتوھج، والفؤاد المتوثب، 
فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة 
غيرسير الزمان..!!!

ّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتھا، وكانت تھاب الى حد الرھبة.. 
 كانت أم مصعب "
ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظھرالأرض قوة سوى امه. 
فلو أن مكة بل أصنامھا وأشرافھا وصحرائھا، استحالت ھولايقارعه ويصارعه، لاستخف به مصعب 
الى حين.. 
أما خصومة أمه، فھذا ھو الھول الذي لا يطاق..! 
ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي ﷲ أمرا. 
وظل يتردد على دار الأرقم، ويجلس الى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم، وھو قرير العين بايمانه، 
وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر إسلامه 

 ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيھا سر، فعيون قريش وآذانھا على كل طريق، ووراء كل 
بصمة قدم فوق رمالھا الناعمة ، الواشية.. 
ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وھو يدخل خفية الى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وھو يصلي 
كصلاة محمد صلى ﷲ عليه وسلم، فسابق ريح الصحراء وزوابعھا، شاخصا الى أم مصعب، حيث ألقى 
عليھا النبأ الذي طار بصوابھا... 

 ووقف مصعب أمام أمه، وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليھم في يقين الحق وثباته، 
القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبھم، ويملؤھا به حكمة وشرفا، وعدال وتقى. 
، ولكن اليد التي امتدت كالسھم، ما لبثت أن استرخت ّ وتنحت أمام ّ  أمه التى همت أن تسكته بلطمة قاسية
النور الذي زاد وسامة وجھه وبھاءه جالال يفرض الاحترام، وھدوءا يفرض االقناع.. 
ولكن، اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتھا ستعفيه من الضرب  فان في مقدرتھا أن تثأر للآلهة التي 
ھجرھا بأسلوب آخر.. 
وھكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارھا، وحبسته فيه، وأحكمت عليه اغاليقه، وظل رھين 
محبسه ذاك، حتى خرج بعض المؤمنين مھاجرين الى أرض الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، 
وغافل أمه وحراسه، ومضى الى الحبشة مھاجرا ّأوابا.. 

 ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المھاجرين، ثم يعود معھم الى مكة، ثم يھاجر الى الحبشة للمرة 
الثانية مع الأصحاب الذين يأمرھم الرسول بالھجرة 

ولكن سواءأ كان مصعب بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس ّ تفوقھا في كل مكان وزمان، ولقد 
فرغ من إعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاه محمد نموذجه المختار، واطمأن مصعب 
الى أن حياته قد صارت جديرة بأن ّ تقدم قربانا لبارئھا العلى، وخالقھا العظيم.. 

 خرج يوما على بعض المسلمين وھم جلوس حول رسول ﷲ، فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسھم 
ّا.. 
وغضوا أبصارھم وذرفت بعض عيونھم دمعا شجيا
ذلك أنھم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا، وعاودتھم صورته الأولى قبل اسلامه، حين كانت ثيابه كزھور 
الحديقة النضرة، وألقا وعطرا.. 
وتملى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم مشھده بنظرات حكيمة، شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه 
ابتسامته الجليلة، وقال: 
" لقد رأيت مصعبا ھذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!! 

 لقد منعته أمه حين يئست من ّردته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامھا انسان 
ھجر الآلهة وحاقت به لعنتھا، حتى ولو يكون ھذا الإنسان ابنھا..!! 
ولقد كان آخر عھدھا به حين حاولت حبسه ّمرة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن ھي 
فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه.. 
وانھا لتعلم صدق عزمه اذا ، فودعته باكية، وودعھا باكيا.. 
وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الإيمان من جانب الإبن
 فحين قالت له وھي تخرجه من بيتھا: اذھب لشأنك، ا
 لم أعد لك أما. اقترب منھا وقال:" اني ّياأمى
لك ناصح، وعليك شفوق، فاشھدي بأنه لااله إلا ﷲ، وأن محمدا عبده ورسوله"... 
أجابته غاضبة مھتاجة:" قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي، ويضعف عقلي"..!! 
وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيھا مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق 
 يرى  مرتديا أخشن الثياب، يأكل يوما، ويجوع أياما ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة، 
المعطر
والمتألقة بنور ﷲ، كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلالاوالنفوس روعة... 

 و اختاره الرسول العظيم : أن يكون سفيره الى المدينة، بعد أن أسلم  نفر من الأنصار
وبايعوا الرسول عند العقبة، ويدخل غيرھم في دين ﷲ، ّ ويعد المدينة ليوم الھجرة العظيم.. واختاره الرسول صلى الله عليه وسلم أول سفير  له فى المدينة

كان في أصحاب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يومئذ من ھم أكبر منه سنا
. ولكن الرسول اختار مصعب الخير، وھو يعلم أنه يكل اليه أخطر قضايا الساعة، ويلقي 
بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الھجرة، ومنطلق الدعوة والدعاة، والمبشرين 
والغزاة، بعد حين من الزمان قريب.. 
وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم ﷲ عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق، ولقد غزا أفئدة المدينة 
وأھلھا بزھده وترفعه وإخلاصه، فدخلوا في دين ﷲ أفواجا.

 لقد جاءھا يوم بعثه الرسول اليھا وليس فيھا سوى اثني عشر مسلما ھم الذين بايعوا النبي من قبل 
بيعة العقبة، ولكنه لم يكد يتم بينھم بضعة أشھر حتى استجابوا لله وللرسول..!! 
وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة، كان مسلمو المدينة يرسلون الى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلھم 
وينوب عنھم.. وكان عدد أعضائه ثلاثة وثمانين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمھم ومبعوث نبيھم اليھم 
"مصعب ابن عمير". 
لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عرف كيف يختار.. 
فلقد فھم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودھا. عرف أنه داعية الى ﷲ تعالى، ومبشر بدينه الذي 
يدعو الناس الى الھدى، والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به، ليس عليه إلا البلاغ 

 ھناك نھض في ضيافة "أسعد بن زرارة" يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس، تاليا على الناس ما 
كان معه من كتاب ربه، ھاتفا بينھم في رفق عظيم بكلمة ﷲ (انما ﷲ اله واحد).. 
ولقد ّ تعرض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه، لولا فطنة عقله، وعظمة روحه.. 

 ذات يوم فاجأه وھو يعظ االناس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشھل بالمدينة، فاجأه شاھرا 
حربته و يتوھج غضبا وحنقا على ھذا الذي جاء يفتن قومه عن دينھم.. ويدعوھم لھجر آلھتھم، ويحدثھم 
عن اله واحد لم يعرفوه من قبل، ولم يألفوه من قبل..! 
ان آلھتھم معھم رابضة في مجاثمھاو اذا حتاجھا أحد عرف مكانھا وولى وجھه ساعيا اليھا، فتكشف 
ضره وتلبي دعاءه... ھكذا يتصورون ويتوھمون.. 

 أما اله محمد الذي يدعوھم اليه باسمه ھذا السفير الوافد اليھم، فما أحد يعرف مكانه، ولا أحد يستطيع 
أن يراه..!! 
وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد بن حضير متوشحا غضبه المتلظي، 
وثورته المتحفزة، حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا، متھللا.. 
وقف اسيد أمامه مھتاجا، وقال يخاطبه ھو وأسعد بن زرارة: 
أ تسھفان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا، اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!! 
"ما جاء بكما الى حينا ؟
وفي مثل ھدوء البحر وقوته.. 
وفي مثل تھلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير ّ وتحرك بالحديث الطيب لسانه فقال: 
"أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرھته كففنا عنك ما تكره". 
ﷲ أكبر. ما أروعھا من بداية سيسعد بھا الختام..!! 

 كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وھا ھو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره، فيدعوه أن يسمع لا غير.. 

فان اقتنع، تركه لقناعته  وان لم يقتنع ترك مصعب 
 غير ّضار ولا مضار .. 
ھنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي.. 
ولم يكد مصعب يقرأ القرآن، ويفسر الدعوة التي جاء بھا محمد بن عبدﷲ عليه الصلاة والسلام، حتى 
أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم، وتكتسي بجماله..!!

ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى ھتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائال: 
"ما أحسن ھذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في ھذا الدين"..؟؟ 
وأجابوه بتھليلة ّرجت الأرض ّرجا، ثم قال له مصعب: 
"يطھر ثوبه وبدنه، ويشھد أن لا اله إلا ﷲ". 
فغاب أسيد عنھم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطھور من شعر رأسه، ووقف يعلن أن لا اله الا ﷲ، وأن 
محمدا رسول ﷲ.. 
وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع، وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة، وتمت 
بإسلامهم النعمة، وأقبل أھل المدينة بعضھم على بعض يتساءلون: اذا كان أسيد بن حضير، وسعد بن 
معاذ، وسعد بن عبادة قد أسلموا، ففيم تخلفنا..؟ ھيا الى مصعب، فلنؤمن معه، فانھم يتحدثون أن الحق 
يخرج من بين ثناياه..!! 

 لقد نجح أول سفراء الرسول صلى ﷲ عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحا ھو له أھل، وبه 
جدير.. 
وتمضي الأيام والأعوام، ويھاجر الرسول وصحبه الى المدينة، وتتلمظ قريش بأحقادھا.. ّ وتعد ّعدة 
باطلھا، لتواصل مطاردتھا الظالمة لعباد ﷲ الصالحين.. وتقوم غزوة بدر، فيتلقون فيھا درسا يفقدھم 
بقية صوابھم ويسعون الى الثأر،و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسھم، ويقف الرسول صلى ﷲ 
عليه وسلم وسط صفوفھم ّ يتفرس الوجوه المؤمنة ليختار من بينھا من يحمل الراية.. ويدعو مصعب 
الخير، فيتقدم ويحمل اللواء.. 
وتشب المعركة الرھيبة، ويحتدم القتال، ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام ويغادرون 
موقعھم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منھزمين، لكن عملھم ھذا، سرعان ما ّ يحول 
نصر المسلمين الى ھزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاھم من أعلى الجبل، وتعمل فيھم على 
حين ّغرة، السيوف الظامئة المجنونة.. 
حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين، ركزا على رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم لينالوه.. 
وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر، فرفع اللواء عاليا، وأطلق تكبيرة كالزئير، ومضى يجول 
ويتواثب.. وكل ھمه أن يلفت نظر الأعداء اليه ويشغلھم عن الرسول صلى ﷲ عليه وسلم بنفسه، ّ وجرد 
من ذاته جيشا بأسره.. أجل، ذھب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير.. 
يد تحمل الراية في تقديس.. 
ويد تضرب بالسيف في عنفوان.. 
ولكن الأعداء يتكاثرون عليه، يريدون أن يعبروا فوق جثته الى حيث يلقون الرسول.. 

لندع شاھد عيان يصف لنا مشھد الختام في حياة مصعب العظيم..!! 
يقول ابن سعد: أخبرنا ابراھيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال: 
[حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن قميئة وھو 
فارس، فضربه على يده اليمنى فقطعھا، ومصعب يقول: وما محمد اال رسول قد خلت من قبله الرسل.

وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعھا، فحنا على اللواء ّ وضمه بعضديه الى 
صدره وھو يقول: وما محمد اال رسول قد خلت من قبله الرسل.. 
ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح، ووقع مصعب، وسقط اللواء]. 
وقع مصعب.. وسقط اللواء..!! 
وقع حلية الشھادة، وكوكب الشھداء..!! 
وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والإيمان.. 
كان يظن أنه اذا سقط، فسيصبح طريق القتلة الى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم خاليا من المدافعين 
والحماة.. 
ولكنه كان يعزي نفسه في رسول ﷲ عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول 
مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا: 
(وما محمد اال رسول قد خلت من قبله الرسل) 
ھذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددھا، ويكملھا، ويجعلھا، قرآنا يتلى.. 

 وبعد انتھاء المعركة المريرة، وجد جثمان الشھيد الرشيد راقدا، وقد أخفى وجھه في تراب الأرض 
المضمخ بدمائه الزكية.. 
لكأنما خاف أن يبصر وھو جثة ھامدة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يصيبه السوء، فأخفى وجھه حتى 
لا يرى ھذا الذي يحاذره ويخشاه..!! 
أو لكأنه خجل اذ سقط شھيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول ﷲ، وقبل أن يؤدي الى النھاية واجب 
حمايته والدفاع عنه..!! 
لك ﷲ يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!! 

 وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شھداءھا.. 
وعند جثمان مصعب، سالت دموع 

[ھاجرنا مع رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في سبيل الله، نبتغي وجه ﷲ، فوجب أجرنا على ﷲ.. فمنا 
من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منھم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء 
يكفن فيه إلا نمرة.. فكنا اذا وضعناھا على رأسه ّ تعرت رجلاه، واذا وضعناھا على رجليه برزت رأسه، 
فقال لنا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم:" اجعلوھا مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات 
االذخر"..].. هذه شهادة بعض أصحاب مصعب  له
وعلى الرغم من الأم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى ﷲ عليه وسلم في عمه حمزة، 
وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السالم، وأوجع فؤاده.

وعلى الرغم من امتلاء أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منھم يمثل لديه عالما 
من الصدق والطھر والنور.. 
على الرغم من كل ھذا، فقد وقف على جثمان أول سفرائه، يودعه وينعاه.. 
أجل.. وقف الرسول صلى ﷲ عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائھما وحنانھما 
ووفائھما: 
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاھدوا ﷲ عليه) 
 ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي كفن بھا وقال لقد رأيتك بمكة، وما بھا أرق حلة، ة 
منك. "ثم ھأنتذا شعث الرأس في بردة"..؟! 
وھتف الرسول  وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليھا من رفاق 
مصعب وقال: 
"ان رسول ﷲ يشھد أنكم الشھداء عند ﷲ يوم القيامة". 
ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال: 
"أيھا الناس زوروھم،وأتوھم، وسلموا عليھم، فوالذي نفسي بيده، لا يسلم عليھم مسلم الى يوم القيامة، 
الا ردوا عليه السلام".. 

 السلام عليك يا مصعب.. 
السلام عليكم يا معشر الشھداء.. 
السلام عليكم ورحمة ﷲ وبركاته.. 


ليست هناك تعليقات: