"إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب.الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار "آلعمران 191.
فلت لشيخى :ولماذاالسموات والأرض ؟
قال :وهل يعرف الإنسان مكاناغير السموات والأرض ؟من الأرض خلق ,وعلى الأرض يعيش ,وفيها مرقده الأخير .
قلت :والسموات ؟
قال :تلك القبة الزرقاء التى تحيط به إحاطة السوار للمعصم ؟إنه
ينظر إليها فيجد الضوء والدفء,ويرى الرياح التى تسوق الغيث
فتكون الحياة والأحياء ,إنها فى متناول بصره على أى حال كان.
قلت :تعنى أن السموات والأرض هما القيد المكانى الذى يحكم الإنسان ؟
قال :كما أن الليل والنهار هما القيد الزمانى للإنسان .
قلت :وأى القيدين ألصق بالإنسان ؟
قال :كلاهما فالإنسان ابن الزمان والمكان لاينفك عنهما,ولكن
المكان أقرب إلى نظره,فقد ينقطع المكان بالإنسان فيضعف إحساسه بالزمان كهؤلاء الذين يلقون فى غياهب السجون ,يكاد
الزمن ينسحب من ذاكرتهم ,أما المكان فيكاد يعتصر أرواحهم.
قلت :ومن أجل ذلك قدمت الآيات قيد المكان على قيد الزمان؟
قال :أجل .وإن كان النظر فى كليهما لايحتاج إلى ثقافة أوإثارة
إنما هى الفطرة المركوزة فى طبع الإنسان .
قلت :وما دام الأمر فطرة إنسانية فلم وجهت الآية النظر إليهما؟
قال :إن الآية لم تدع إلى النظرإلى السموات والأرض والليل والنهار لأن ذلك حاصل بالفعل من كل الناس ,إنما تدعو إلى النظر (فى )خلقهما وتغير أحوالهما .
قلت :وما الفرق بين النظر (إلى )الشىء والنظر(فيه )؟
قال :الفرق كبير.فأنت عندما تنظر إلى الشىء إنما ترى شكله الخارجى وإطاره العام ,أما عندما تنظر فيه فإنما تحاول أن تستبطنه وتسبر غوره وتكشف مجاهله بالغوص فى أعماقه .
قلت :معنى ذلك أن النظر هنا نظرعقلى لاحسى ؟
قال :هو نظر حسى يقود إلى النظر العقلى .وكأنما تريد الآية أن
تلفت نظر الإنسان وتهيب به ألا يكون أسير النظرة الأولى فيعتادها وينعزل داخلها,فلا يعود يرى فيها إلا منظرا مكررا
ومشهدا مألوفا لايثير إحساسه ولا يحرك مشاعره,إنما هى الرتابة
التى تميت الوجدان .
قلت :أى هى دعوة لاستكشاف الجمال فى خلق السموات والأرض والليل والنهار.
قال :وحين تدرك جمال ما يحيط بك تكون المتعة وحب الحياة .
قلت :وإن كان قيدا ؟
قال :حياة الإنسان كلها قيود شاء أم أبى ,الطعام قيد ورغبات النفس قيود,وما دام القيد حاصلا على أية حال فقيد جميل يمكن أن
يخفف عنك ثقله وقد يكون محببا إليك .
قلت :وهل يستطيع كل إنسان أن يدرك الجمال ؟
قال :ياليت ذلك يكون ,إذن لصارت الدنيا غير الدنيا ولكن الذين يتذوقون الجمال قليلون,وهذا من أسباب التعاسة على وجه الأرض,أما النخبة ذات الحس المرهف فهم (أولوالألباب )
قلت :وهل يكتفى أولو الألباب بتذوق الجمال الذى يبدو أمام عيونهم وعقولهم ؟
قال :لو فعلوا ذلك لما كانوامن أولى الألباب ,إن النجاح يغرى بالنجاح ,وتجاوز السفوح يغرى بالصعود إلى القمم ,فهم فى شوق دائم ,وظمأ إلى المزيد .
قلت :وكيف لهم ذلك ؟
قال :إنهم لم يعودوايكتفون بالنظر(إلى )ولا بالنظر(فى )وإنما
انتقلوا إلى معايشة الجمال والقرب من الله فى كل حال من أحوالهم وهم لاينسون ذلك على امتداد ساحة الحركة اليومية ولا
تشغلهم أمور عنه أمور الحياة التى يتقلبون فيها (قياما وقعودا
وعلى جنوبهم )إنهم-باختصار-يحيون فى هذا الشعور أو يحيا
هذا الشعور فيهم .
قلت :لقد رأيت بعض الناس يذكرون اسم الله وهم جلوس ثم ينهضون ويتما يلون يمينا وشمالا,ويقفزون فى الهواء وكأنما
أصابه الجنون ,وهم يظنون أن ذلك تنفيذ لهذه الآية القرآنية.
قال(ضاحكا):هؤلاء جهلة مساكين ,حقا مساكين ,وأين هم من
إدراك الجمال ؟هؤلاء لم ينظروا ولم يتذوقوا,إن من يتذوق الجمال إنسان راق مهذب الطبع يأبى عليه ذوقه أن يتحول إلى مسخ مشوه ولو كان هؤلاء صادقين لعظموااسم الله تعالى فسكنت
له جوارحهم ورقت له نفوسهم .
قلت :نعود إلى أولى الألباب-نظروا فتذوقوافعاشوا-ماذا بعد فى مدارجهم ؟
قال :بعدما استغرقهم (التذكر)ارتقوا إلى درجة (التفكر)وقد كان
تعبير القرآن بالتفكر وليس الفكر,فكل إنسان يستطيع أن يتذكر
ويمكن لك أن تتذكر عدة أشياء فى وقت واحد ,وكل إنسان يفكر
ولكن التفكرهوأن يستولى أمر ما عليك تماما.
قلت :وماذا بعد تفكر أولى الألباب ؟
قال:كان لابد أن يصلوا إلى الحقيقة "ربنا ماخلقت هذا باطلا" أى
أنهم أدركواأن خالق هذا الجمال حكيم لايعبث .
قلت :وماذا استفاد أولوالألباب من إدراك هذه الحقيقة ؟
قال :إن من أخلص فى طلب الحق يستحق أن يطلب من خالق الحق والجمال العون والنجاة فى الدنيا والآخرة .
قلت :أرى أن هذا القول الكريم يرسم طريق النجاة أمام الحيارى
قال :وماذا فهمت عن هذا الطريق ؟
قلت:من نظر تذكر ومن تذكر تفكر ومن تفكروصل ومن وصل طلب ومن طلب استجيب له .ولكن ما الذى يضل الناس عن هذا الطريق ؟
قال :زينة الدنيا وشهوات النفس التى تأخذ أبصار الناس وعقولهم وقلوبهم لتزرعها على تلك القشرة الملونة ,فتحبسهم عن الجوهر
ويظلون على حدود الشكل يحيون فيه فيميتهم ,ويسعدون به فيشقيهم ,وربما كسبوا كثيرامن المتاع الزائل ولكنهم خسروا
أنفسهم .فهم التعساء حقا .
..مصطفى فهمى ابو المجد
فلت لشيخى :ولماذاالسموات والأرض ؟
قال :وهل يعرف الإنسان مكاناغير السموات والأرض ؟من الأرض خلق ,وعلى الأرض يعيش ,وفيها مرقده الأخير .
قلت :والسموات ؟
قال :تلك القبة الزرقاء التى تحيط به إحاطة السوار للمعصم ؟إنه
ينظر إليها فيجد الضوء والدفء,ويرى الرياح التى تسوق الغيث
فتكون الحياة والأحياء ,إنها فى متناول بصره على أى حال كان.
قلت :تعنى أن السموات والأرض هما القيد المكانى الذى يحكم الإنسان ؟
قال :كما أن الليل والنهار هما القيد الزمانى للإنسان .
قلت :وأى القيدين ألصق بالإنسان ؟
قال :كلاهما فالإنسان ابن الزمان والمكان لاينفك عنهما,ولكن
المكان أقرب إلى نظره,فقد ينقطع المكان بالإنسان فيضعف إحساسه بالزمان كهؤلاء الذين يلقون فى غياهب السجون ,يكاد
الزمن ينسحب من ذاكرتهم ,أما المكان فيكاد يعتصر أرواحهم.
قلت :ومن أجل ذلك قدمت الآيات قيد المكان على قيد الزمان؟
قال :أجل .وإن كان النظر فى كليهما لايحتاج إلى ثقافة أوإثارة
إنما هى الفطرة المركوزة فى طبع الإنسان .
قلت :وما دام الأمر فطرة إنسانية فلم وجهت الآية النظر إليهما؟
قال :إن الآية لم تدع إلى النظرإلى السموات والأرض والليل والنهار لأن ذلك حاصل بالفعل من كل الناس ,إنما تدعو إلى النظر (فى )خلقهما وتغير أحوالهما .
قلت :وما الفرق بين النظر (إلى )الشىء والنظر(فيه )؟
قال :الفرق كبير.فأنت عندما تنظر إلى الشىء إنما ترى شكله الخارجى وإطاره العام ,أما عندما تنظر فيه فإنما تحاول أن تستبطنه وتسبر غوره وتكشف مجاهله بالغوص فى أعماقه .
قلت :معنى ذلك أن النظر هنا نظرعقلى لاحسى ؟
قال :هو نظر حسى يقود إلى النظر العقلى .وكأنما تريد الآية أن
تلفت نظر الإنسان وتهيب به ألا يكون أسير النظرة الأولى فيعتادها وينعزل داخلها,فلا يعود يرى فيها إلا منظرا مكررا
ومشهدا مألوفا لايثير إحساسه ولا يحرك مشاعره,إنما هى الرتابة
التى تميت الوجدان .
قلت :أى هى دعوة لاستكشاف الجمال فى خلق السموات والأرض والليل والنهار.
قال :وحين تدرك جمال ما يحيط بك تكون المتعة وحب الحياة .
قلت :وإن كان قيدا ؟
قال :حياة الإنسان كلها قيود شاء أم أبى ,الطعام قيد ورغبات النفس قيود,وما دام القيد حاصلا على أية حال فقيد جميل يمكن أن
يخفف عنك ثقله وقد يكون محببا إليك .
قلت :وهل يستطيع كل إنسان أن يدرك الجمال ؟
قال :ياليت ذلك يكون ,إذن لصارت الدنيا غير الدنيا ولكن الذين يتذوقون الجمال قليلون,وهذا من أسباب التعاسة على وجه الأرض,أما النخبة ذات الحس المرهف فهم (أولوالألباب )
قلت :وهل يكتفى أولو الألباب بتذوق الجمال الذى يبدو أمام عيونهم وعقولهم ؟
قال :لو فعلوا ذلك لما كانوامن أولى الألباب ,إن النجاح يغرى بالنجاح ,وتجاوز السفوح يغرى بالصعود إلى القمم ,فهم فى شوق دائم ,وظمأ إلى المزيد .
قلت :وكيف لهم ذلك ؟
قال :إنهم لم يعودوايكتفون بالنظر(إلى )ولا بالنظر(فى )وإنما
انتقلوا إلى معايشة الجمال والقرب من الله فى كل حال من أحوالهم وهم لاينسون ذلك على امتداد ساحة الحركة اليومية ولا
تشغلهم أمور عنه أمور الحياة التى يتقلبون فيها (قياما وقعودا
وعلى جنوبهم )إنهم-باختصار-يحيون فى هذا الشعور أو يحيا
هذا الشعور فيهم .
قلت :لقد رأيت بعض الناس يذكرون اسم الله وهم جلوس ثم ينهضون ويتما يلون يمينا وشمالا,ويقفزون فى الهواء وكأنما
أصابه الجنون ,وهم يظنون أن ذلك تنفيذ لهذه الآية القرآنية.
قال(ضاحكا):هؤلاء جهلة مساكين ,حقا مساكين ,وأين هم من
إدراك الجمال ؟هؤلاء لم ينظروا ولم يتذوقوا,إن من يتذوق الجمال إنسان راق مهذب الطبع يأبى عليه ذوقه أن يتحول إلى مسخ مشوه ولو كان هؤلاء صادقين لعظموااسم الله تعالى فسكنت
له جوارحهم ورقت له نفوسهم .
قلت :نعود إلى أولى الألباب-نظروا فتذوقوافعاشوا-ماذا بعد فى مدارجهم ؟
قال :بعدما استغرقهم (التذكر)ارتقوا إلى درجة (التفكر)وقد كان
تعبير القرآن بالتفكر وليس الفكر,فكل إنسان يستطيع أن يتذكر
ويمكن لك أن تتذكر عدة أشياء فى وقت واحد ,وكل إنسان يفكر
ولكن التفكرهوأن يستولى أمر ما عليك تماما.
قلت :وماذا بعد تفكر أولى الألباب ؟
قال:كان لابد أن يصلوا إلى الحقيقة "ربنا ماخلقت هذا باطلا" أى
أنهم أدركواأن خالق هذا الجمال حكيم لايعبث .
قلت :وماذا استفاد أولوالألباب من إدراك هذه الحقيقة ؟
قال :إن من أخلص فى طلب الحق يستحق أن يطلب من خالق الحق والجمال العون والنجاة فى الدنيا والآخرة .
قلت :أرى أن هذا القول الكريم يرسم طريق النجاة أمام الحيارى
قال :وماذا فهمت عن هذا الطريق ؟
قلت:من نظر تذكر ومن تذكر تفكر ومن تفكروصل ومن وصل طلب ومن طلب استجيب له .ولكن ما الذى يضل الناس عن هذا الطريق ؟
قال :زينة الدنيا وشهوات النفس التى تأخذ أبصار الناس وعقولهم وقلوبهم لتزرعها على تلك القشرة الملونة ,فتحبسهم عن الجوهر
ويظلون على حدود الشكل يحيون فيه فيميتهم ,ويسعدون به فيشقيهم ,وربما كسبوا كثيرامن المتاع الزائل ولكنهم خسروا
أنفسهم .فهم التعساء حقا .
..مصطفى فهمى ابو المجد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق