المبتهل الشيخ
قالت ابنتى:بالقرب من بيتنا مسجد وفى رمضان نصلى القيام خلف الإمام الذى يصلى بربع كامل ويطيل فى الدعاء فوق الساعة مما يجعلنى أحس بالتعب الشديد وعدم القدرة
على رفع يدىّ فى الدعاء هذه المدة فهل علىّ من حرج إذا أسدلت ذراعى أثناء الدعاء؟
أقول لابنتى ولكل السيدات بل لكل مسلم:
العبادة فى الإسلام لكى تكون مقبولة لابد فيها من شرطين.هما:
أولا :الإخلاص لله تعالى .لقوله عز وجل:"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين"
وقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات".
ثانيا :أن يكون العمل وفقا لشرع الله وفقا لهديه صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا المنطلق يجب أن نستحسن ما استحسنه الشرع لا ما نستحسنه نحن.
وظاهر ما يحدث فى المساجد فى رمضان أنه حسن ولكن إذا عرضناه على الهدى النبوى
وجدنا عليه ملحوظات هى:
أولا:أننا كمسلمين نقوم بأداء كامل العبادة فى المساجد ثم ننصرف إلى بيوتنا وحياتنا
معتقدين أننا قد أدينا الواجب كاملا وهذا خلاف الهدى النبوى .فهل تعلمون الهدى النبوى
ماذا يكون؟يقول صلى الله عليه وسلم:"أفضل صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة"ويقول:"
"أيها الناس صلوا فى بيوتكم"وهذه دعوة نبوية صريحة أن يكون للمسجد نصيب وهو
الصلوات الخمس ويكون للبيوت نصيب وهو النوافل .حتى تمتلىء بيوتنا نوراكمساجدنا.
ولعل فى تعمده صلى الله عليه وسلم عدم مواصلة صلاة القيام بالمسلمين جماعة إشارة
إلى أن هذه الصلاة ليست فريضة.
ثانيا:إطالة الدعاء بهذا الشكل مخالف للهدى النبوى-رغم استحسان الناس له-ولوكان
خيرا لحرص عليه الرسول صلى الله عليه وصحابته ولكن الوارد خلاف ذلك.فقد قال أحد
أبناء سعدبن أبى وقاص-رضى الله عنه:سمعنى أبى وأنا أقول:اللهم إنى أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا.فقال:يابنى أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"سيكون قوم يعتدون فى الدعاء" فلا تكن منهم إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير وإن أعذت من النار أعذت منها ومما فيها من الشر."أخرجه أبو داود.
كما أن الصياح بالدعاء مخالف تماما للهدى النبوىفقد قال تعالى:"ادعوا ربكم تضرعا وخُفية إنه لايحب المعتدين"قال القرطبى-رحمه الله-:الاعتداء فى الدعاء على وجوه منها:الجهر الكثيروالصياح .وقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للذين رفعوا أصواتهم بالتكبير عند عودتهم من الغزو:"أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وإنما تدعون سميعا بصيرا وهو معكم"
وقد أثنى الله على نبيه زكريا فقال:"ذكررحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا"
ومن الأمور المقررة شرعا(أن السر فى الأمور التطوعية أفضل من الجهر)
قال الحسن بن أبى الحسن(:لقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرا فيكون جهرا أبداولقد كان المسلمون يجتهدون فى الدعاءفلا يسمع لهم صوت
إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم)ذكر ذلك القرطبى عند آية"ادعوا ربكم تضرعا وخفية
إنه لا يحب المعتدين".
وابن القيم-رحمه الله-يوضح لنا معانى إخفاء الدعاء ومنها :
أنه أعظم إيمانا لأنه يدل على أن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفى.
وأن الملوك يكره عندهم رفع الصوت ومن الأدب مخاطبتهم بصوت خافت فما بالك بملك الملوك جل وعلا؟
أن الإخفاء أبلغ فى التضرع والخشوع الذى هو مقصود الدعاء.
أنه أبلغ فى الإخلاص والبعد عن الرياء.
أنه أدعى إلى دوام السؤال أما رفع الصوت فيصيب اللسان بالكلل والقُوى بالضعف.
وأرجو-بعد هذا البيان أن يكون واضحا أن ما يحدث فى رمضان بعيد عن السنة.
الأمر الثانى:أن صلاة المرأة فى مسجد الجماعة خلاف الأولى مع جواز صلاتها فيه.فقد
روى عن ابن عمر-رضى الله عنهما-قوله -صلى الله عليه وسلم:"لاتمنعوا النساءأن
يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن".وعن أم حميد الساعدى أنهاجاءت إلى النبى-صلى الله عليه وسلم-فقالت:يا رسول الله إنى أحب الصلاة معك.فقال:"قد علمت وصلاتك فى حجرتك خير لك من صلاتك فى مسجد قومك وصلاتك فى مسجد قومك خير لك من صلاتك فى مسجد الجماعة".
إذن المسألة واضحة والدين جلى ولكن البعض يجتهدون حيث يوجد النص الصريح
ونتيجة ذلك أن صار الدين ثقيلا على الناس وأنه-لكى يكون الإنسان متدينا-عليه أن يتحمل ما لا يطيق مع أن الدين يسر لا عسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه وهذا هدى نبينا
صلى الله عليه وسلم.
وختاما أقول للنساء:خيرلكن أن تعدن إلى بيوتكن لتعمرنها بالخير والبركة والنور.
مصطفى فهمى أبو المجد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق