مشكلة لا حل
تجاهل المشكلة لايحلها .
تلك حقيقة لاشك فيها.ولكن من الحقائق أيضا أن هناك نوعا من المشكلات يضر فيها كثيرا شدة الإلحاح عليها واستمرار إلقاء الضوء
عليها. تعالوا نضرب مثلا برجل خرج علينا بفكرة تافهة أو شاذة ونرى ما يحدث لو سلطت عليه وسائل الإعلام أضواءها؟
إنها تجلوه وتشهره وتدفع به إلى دائرة الأسماع والأبصار فيصبح معرفة بعد أن كان نكرة ويعرفه القاصى والدانى بعد أن كان لا يعرفه إلا مرآته.والنفوس متباينة منها الطيبة التى تألف الطيبات ومنها الخبيثة التى لا تحب إلا الخبائث فالطيور على أشكالها تقع.
وبالتالى فنحن نقدم لهذا الرجل التافه فرصة لم يحلم بها ليصل إلى الشهرة والمال ثم نعود لننعى الأخلاق والمثل العليا .وننسى أننا
قد نصبنا بأيدينا المشنقة.
ولكى تتضح الفكرة تعالوا نتخيل أن هذا الفكر التافه لم يجد أذنا صاغية أو عينا باصرة .ما ذا يحدث؟ لاشك أنه سيولد ميتا غير مأسوف
عليه . واكننا سنجد من يهب صارخا :هذا حجر على الفكر هذا إرهاب فكرى بل الصحيح أن تتركوا الأفكار تتصارع وتتفاعل وفى النهاية ستكون الغلبة والبقاء للأصلح.
وهذا منطق خطأ وخطر ومجانب للواقع فليس البقاء -دائما-للأصلح وإلا لكانت الحياة -منذ زمن بعيد-أكثر أمنا وحقا وجما لا.ولما
عانى العالم من هذه العصابات الإجرامية التى تشكل إمبراطوريات منذ قرون دون أن يقدر عليها قوة أو قانون.
فالواقع الذى نعيشه يقول:إن البقاء للأقوى وليس-دائما-للأصلح.
أقول هذا بمناسبة ما يقدم على الشاشات من صور وأصوات مخجلة والدعوى بأن ذلك معالجة لهذه السلبيات......
تجد (شريطا مرئيا)يعرض قصة راقصة على امتداد ثلاث ساعات ثلاثة أرباعها عرى ورقص وإغراء ثم تأتى دقائق معدودات تصور
هذه الراقصة وقد ماتت فى حادث أو انتهى بها الأمر إلى السجن.أقول هذا متخيلا أن هناك على الساحة الفنية من يعتبر الرقص المعروف عملا ضد السلام الاجتماعى.
دعونا نتكلم بصراحة..هذه الأفلام المشار إليها مبنية أساسا على تلك المشاهد الخرجة التى تلهب شباك التذاكر ويأتى المشاهد الضحية
الذى تزعم الأداة الفنية الكاذبة أن رسالتها رفع مستوى الناس والنهوض بالذوق العام .أقول :يأتى المشاهد الضحية ليعيش مع (المتعة والإثارة)ساعات حتى إذا ارتوت شرايين الرغبة فيه بما قدم إليه من سموم لم يعد صالحا ولا مستعدا لأى نقد يضيع عليه لحظات الحظ والسلطنة والنشوة التى تجرعها حتى الثمالة.
هذه ليست معالجة للمشكلة إنما هو تكريس لها .بل أقول بكل وضوح :إنها محاولة صريحة لجعل هذه الممارسات -غير الشرعية-
جزءا من الواقع المعاش وذلك عن طريق التكرار وإطلاق التعليقات والدراسات حوله-طبعا بما يثير حوله من موجات الإعجاب والإشادة. أقول كل ذلك يجعل العقول -خاصة النشء-تتعود عليها وترى أنها شىء طبيعى لاغبار عليه فإذا جاء-بعد ذلك من يقول:هذا
حرام وهذا حلال تلقفته الأسماع والأبصار بالاستنكار.لأنها نمت وترعرعت فى هذا الوسط الآسن.
ونسمع أحد المرتزقة من أصحاب الأهواء يصرخ-مستنكرا-:اتقوا الله نحن لم نغصب أحدا ولم نشد أحدا وإنما الناس هم الذين يأتون
إلينا طائعين مختارين بل مسرورين ومعنى هذا أننا نقدم إليهم ما يريدون من ثقافة ومتعة إنها مسألة عرض وطلب ولو كان الناس لا
يريدوننا لسقطنا واتهينا من زمن طويل.
وهذا منطق السوق لامنطق الحق والاتجاه العام هو الذى يحدد من الذى يتحكم فى المجتمع هل هو السوق أم الحق؟
إن مجتمع السوق يسمح ببيع الخمور وإقامة بيوت البغاء وبيع الأسلحة ومكاتب التجسس على الأزواج والزوجات والأفراد ما دام ذلك يأتى بالمال .وآه من المال عندما يكون إلاها يحكم نشاط الأفراد والمجتمعات.
أما منطق الحق فهو منطق الصالح العام وهو يقول:لايعرض فى السوق شىء يضر الأمن النفسى والصحى والاجتماعى .فالحق يجعل
السوق نظيفا والبائع شريفا والمشترى عفيفا.والرابح فى كل ذلك هو المجتمع كله.
هذا ينطبق على المنتجات المادية والثقافية بل أحرى أن يلا حظ فى المنتج الثقافى باعتباره موجها للسلوك العام وقائد حركة التطور الاجتماعى.
يا أهل الفن. يا أهل الفكر .أنتم عيون المجتمع وآذانه بل وعقوله.فهل أنتم على مستوى المسؤولية؟اا
لنا لقاء آخر قريب إن شاء الله.
مصطفى فهمى أبو المجد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق