السبت، 29 مايو 2010

الرقيب

اما قبل:
فأدعوكم أيها الأفاضل إلى الوضوء ثم التفضل بالجلوس لننصت معا إلى قول ربنا جل وعلا :
"يأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا"النساء-1
"ما قلت لهم إلاما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شىء شهيد"المائدة-117
"لايحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شىء رقيبا"
الأحزاب-52
هذه ثلاث آيات مشرفات فى مواضع مختلفات ولكنها متفقات فى 
تعلقها بصفة الله (الرقيب)
فى الآية الأولى دعوة الناس إلى تقوى الله تعالى الذى يذكرهم بعدة دوائر:
الأولى:أنه خلقكم أى شاء وجودكم ولوشاءما وُجدتم فهو أحق أن تخافوه.
الثانية:أنه خلق هذه الملايين المملينة -على ما بينها من فوارق كثيرة-من نفس واحدة وهذا يعنى طلاقة قدرته جل وعلا فهو أحق أن تخافوه.
الثالثة:أنه خلق من النفس الواحدة زوجها أى أنه-سبحانه-جعل الزوج بعض زوجه فكأنهما شىء واحد يكمل بعضه بعضا ولا ينسجم إلامع بعضه ومعنى هذا أنه جلت قدرته يقدر داخل الإنسان
وشئون ذاته لأنه أقرب إليه من حبل الوريد وهو يحول بين المرء
وقلبه فهو أحق أن تخافوه.
وتذكروا أيها الأفاضل أنه تعالى قدم نفسه إليكم باعتبارأنه"ربكم"
أى الذى يربيكم ويحسن إليكم ويرعى شئونكم رعاية الشفيق عليكم وهو عندما يدعوكم إلى تقواه إنما يدعوكم إلى ما فيه صلاح أحوالكم فى الدنيا والآخرة وليس له-سبحانه-حاجة فى أن يعذبكم "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم وكان الله شاكرا عليما"النساء 147
الرابعة:أنه -سبحانه-نشر من الزوجين ذرية كثير متنوعة وهذه نعمة خاصة تقر بها عيون الوالدين ونعمة عامة تقر بها عين الحياة والذى يعطى النعمة قدير على سلبها قدير على جعلها نقمة
فهو أحق أن تخافوه.
الخامسة:انه جل وعلا قدر صلة بين أقارب الناس وجعلها خيطا
يربط القلوب ودعا إلى رعاية هذه الصلة توثيقا للروابط القريبة
التىتشكل شبكة تحتوى المجتمع كله وهنا يظهر اسم"الله"تبارك وتعالى مكان(الرب)إشارة إلى عظم الإثم الذى يقع فيه من يخالف عن هذا الأمر .
وفى ختام تلك الدوائر يأتى البلاغ الرهيب"إن الله كان عليكم رقيبا
وتنبهوا-رحمنى الله وإياكم-إلى حرف الجر(على)فإن الرقيب علىّ
وإذا كانت الرقابة من علٍ فإن الكشف تام على أن العلوعلو فى كل شىءفى المكان والقدرة والحساب ومعنى هذا أنه من المحال 
أن تفلتوا من رقابته ولهذا فهو أحق أن تخافوه.
وفى الآية الثانية
يتغير المشهد فهذا نبى الله (عيسى)صلى الله عليه وسلم يقدم إلى
الله تعالى تقريره وعذره فهو-والله أعلم به-بلغ قومه ما أمره الله به وهو عبادة الله وحده ربه وربهم وكان قائما على هذه الدعوة 
مدة حياته حريصا على البلاغ على أكمل وجه فلما توفاه الله كما يتوفى سائر البشر انقطعت الصلة بقومه كما تنقطع الصلة بين الأحياء والأموات وصار أمرهم إلى الله وحده وهو الرقيب عليهم
والرقابة العلية العالية ترقب المقصرين والمخالفين والمحرفين الكلم عن مواضعه وهذا الرقيب القوى القدير أحق أن يخاف منه.
وفى الآية الثالثة:
يتغير المشهد فهذه المرة الموقف مع (محمد)صلى الله عليه وسلم
وربه يقررأنه لايحل له الزواج بزوجة جديدة بعد هذا الموقف الجليل الذى اختار فيه أمهات المؤمنين الله ورسوله والدار الآخرة
فهذه جائزة تقدير من العلى القدير والله رقيب على الكل بما فيهم 
عباده المخبتين الذين يجب أن يكونواداخل دائرة الخوف كما هم فى دائرة الرجاء كما هم فى دائرة الحب لله فليس التقوى لباسا يعطى صاحبه الأمان الدائم من غضب الله بل على العكس كلما ازددت قربا ازددت خوفا لأنك-حينئذ-أكثر معرفة بالله ومن عرف
عرف مقام الجبار خافه "ولمن خاف مقام ربه جنتان"
بارك الله لى ولكم فى القرآن الكريم وجعله شفيعا لنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات: