حديث مع قسيس
كنت فى رحلة طويلة وكان يحلس قبالتى قسيس وكان فى يده كتاب تعمد أن أقرأ عنوانه
وكان كتاب (إغاثة اللهفان) لابن القيم .ولما رأى ابتسامتى العريضة قال :لم العجب ؟
قلت :أنت تقرأ لابن القيم لتتعلم أم لتتكلم ؟قال :للأمرين معا.ولكن ما يدهشنى هذا الاحتفال
غير العادى (للنية) وعندكم حديث يرويه أبو أمامة أن رجلا جاء إلى النبى -صلى الله عليه
وسلم-فقال :أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجروالذكرماله فقال له :"لاشىء له"فأعادهاالرجل
ثلاثا والنبى يقول :"لاشىء له"ثم قال :"إن الله لايقبل إلا ما كان خالصا له وابتغى به وجهه"
قال القس :الرجل جاء غازيا.ووقف فى الصف .ماذا تهمنى نيته ؟الذى يهمنى يده التى تطلق
النار وذراعه التى تقود الطائرة .أليس هذا أمرا منطقيا؟
قلت:هذا أبعد ما يكون عن المنطق .قال(متعجبا) كيف ؟ا
قلت:الجندى قد يكون فى يده أحدث الأسلحة ولكنه يتركها ويفر منهزما لأنه مهزوم النفس
لايشعربقوة تدفعه للصمود وصدق الشاعر:
ومدفع راعش فى كف راغمة
مثل الحصى وحده لن يطلق النارا
ونحن نرى فى مباريات الكرة أن الفريق الذى تدفعه إرادة النصر للحصول على مكاسب
مادية أو معنويه يكون أداؤه غير الفريق الذر يفقد هذه الدوافع .وإذا كان هذاالأمر فى اللعب
فما بالك بالدين؟
قال القس :قد يكون هذا مفهوما فى القتال .فما بال الأمور الأخرى ؟
قلت :الأمر سواء فى كل الأمور.(النية)التى لاتعجبك هى عقد وثيق بين العبد وربه وهى
تضمن أمورا هامة:
أولا:تضمن شعور الإنسان بأنه ليس وحده يفعل ما يشاء دون حسيب أو رقيب ولكنه مرتبط
بعهد وثيق مع من يملك الحساب والثواب والعقاب.
ثانيا :النية تضمن تحقيق العمل وعدم النكوص عنه لأنك مأموربالوفاء بهذا العهد الذى قطعته
على نفسك .
ثالثا :النية تضمن أن يؤدى هذا العمل على أكمل وجه "لأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا
أن يتقنه"
رابعا :هذه النية تضمن أن يؤدى العمل أمام الناس وفى غيبتهم لأنه بدون هذه النية يكون
الإنسان مرائيا يطلب ما عند الناس فإذا حضروابذل وإذا غابوا منع.أما مع النية فيستوى
السر والعلن.ولن يكون فى حاجة إلى من يقصده للتبرع ولكنه سيقدم بيمينه مالا تعلم شماله.
خامسا :هذه النية تجعل أعمال المسلم كلها عبادة فإذانام أو صحا أو أكل أوشرب أوذهب إلى عمله.أوقارف أهله كان كل ذلك عبادة إذاعقد النية فيهالوجه الله.بينما هى لغيره الذى لم يعقد النية مجرد عادات لايأخذ عليها أجرا.أرأيت..؟العمل هو العمل ولكن النية تحوله من مجرد
العادة إلى قداسة العبادة.فشتان شتان.
سادسا :يمكن للإنسان أن يحصد بنية واحدة ثواب عدة أعمال فالمسلم يذهب إلى المسجد
فينوى التعبد لله فيأخذ ثواب الخطوات وثواب الاعتكاف وثواب الاستماع إلى الذكروثواب
التواصل مع إخوانه وثواب البعد عن مظان المعصية.
سابعا :إخلاص النية لله تقود صاحبها إلى ضرورة اتباع هدى رسول الله المبلغ عن الله
فتكون النية دافعا إلى تخير الصراط المستقيم .
قال القس :أكل هذا يحدث ببضع أحرف بقوله:ن و ى ت ؟
قلت :إن النية ليست مجرد النطق بالأحرف لأن النية محلها القلب فهى تعنى انعقاد العزم
والتصميم الأكيد على تنفيذ الفعل فهى-كما قلنا -عهد وثيق واجب النفاذ .
قال القس :وإذا مات الإنسان قبل تنفيذ العمل ؟.
قلت :له الأجركاملا لقوله صلى الله عليه وسلم :"إنما الأعمال بالنيات"أى الأعمال الصالحات مرتبطة بالنوايا الخالصات .فمن عقد النية ومات فكأنه أدى العمل كاملا.
قال القس :إن دينكم لكريم .
قلت :ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
مصطفى فهمى أبو المجد
هناك تعليق واحد:
جزاك الله خيرا
وجيه الشيوى
إرسال تعليق