الأربعاء، 30 يونيو 2010

فن الاستغناء

(فن الاستغناء)تعبير ممتازسمعته من متحدث لاأعرف اسمه,ولكنه
دارفى ذهنى طويلا,وقلبته على وجوهه,وتساءلت:
                          مامعنى(فن الاستغناء)؟
                          وهل هو ابتكارحديث؟
                         وكيف يمكن استغلاله؟
أما معناه فهو أن تتعلم كيف تستغنى عن بعض الأشياء,ولكن ماهى الأشياء التى يمكن أن تستغنى عنها؟ونحن نتحدث طبعاعن
الأشياء التى تهمنا فى أمورالمعايش .
إذا أردت الحق فكل شىء يمكن الاستغناء عنه,سواء أكان ذلك كليا أم جزئيا,دوما أم مؤقتا .
مثلا أنا أستطيع الاستغناء عن ثوب جديد بمناسبة العيد مادام هناك
ثوب صالح ,ويمكن الاستغناء عن شراءسيارة مادامت وسائل المواصلات كافية خاصة إذاكانت تنقلاتى محدودة والسيارة تعد 
بالنسبة لى من الكماليات ,ويمكن الاستغناء عن شراء كتاب غالى
السعرإذا كنت أستطيع أن أستعيره من مكتبة أو صديق.
ويمكن أن أستغنى عن التهام رغيفين والاكتفاء برغيف واحد....
هذه نماذج لأشياء عديدة يمكن أن تكون ميدانا للتجارب.
وهذا (الفن )العالى ليس جديدافقد سبقنا إليه الأوائل ,أقصد الأجيال
الساحقة من مسلمين وغيرهم وإن اختلفت طرائق الاستغناء 
وفلسفته .
فبعض الآباء المسيحيين القدامى كانوا يستغنون عن المياة فى 
النظافة بدعوى أن الماء رمز للحياة وابتعادهم عن المياة يعنى -من وجهة نظرهم-الابتعاد عن الحياة الدنيا الفانية.ومن نفس المنطلق ابتكروا(الرهبنة)بماتعنى من البعد عن النساءاللواتى يرمزن إلى شهوات الجسد .
والسلف الصالح من المسلمين أدلوا بدلائهم فى فن الاستغناء,فقد 
ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضى الله عنها وقد
رآها تأكل مرتين فى اليوم :"ماهذا ياعائشة ؟يكفيك أن تأكلى مرة
واحدة فى اليوم"ومعلوم قوله صلى الله عليه وسلم:"نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لانشبع".وقوله:"طعام الواحد يكفى الاثنين وطعام الاثنين يكفى الأربعة وطعام الأربعة يكفى الثمانية"
رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما.
وعن جابر أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأُدم
فقالوا ما عندنا إلا خل فدعا به فجعل يأكل ويقول:"نعم الأدم الخل 
نعم الأدم الخل"رواه مسلم .
وقد كان الصحابة رضى الله عنهم على منهاج النبى صلى الله عليه وسلم ,وقد ورد أن عمر رضى الله عنه كان يأكل الخبز الجاف بالزيت حتى تغير لونه ,واشتاقت نفسه يوما إلى اللحم حتى هم أن يشترى لحما ولكنه رجع عن ذلك تأديبا لها,وقد كان 
رضى الله عنه يلبس الثوب مرقعا استغناء عن الثوب الجديد وحكايته عند تسلمه بيت المقدس فى ثوب به عديد من الرقاع معروفة ,هذا على الرغم من أنه كان صاحب مال .
وهكذا كان الصحابة رضى الله عنهم .
وهذا الجيل المبارك الذى أبدع فى هذا الفن أطلق عليه (الزهد)
والآن كيف نتعلم هذا الفن الراقى (فن الزهد)أو الاستغناء؟
نحتاج هنا إلى خطوة معنوية وخطوة مادية .
أما المعنوية فهى أن ننظرإلى المقاصد أى إلى الغايات أى نسأل 
أنفسنا :ما غاية حياتنا ؟وما هدفنا الأسمى؟هل هو مجرد الاستمتاع بالطعام والشراب والثياب وسائر مباهج الدنيا؟أم أن هناك هدفا أرقى وأتقى وأبقى وأنقى ؟لابد من الإجابة على هذا السؤال لأن 
هذه الإجابة تعنى أشياء كثيرة وتحد الخطوة المادية ,التى تعنى ترتيب الأوليات فإذا كانت الإجابة بنعم للاستمتاع المطلق فلا زهد
ولا استغناء وإنما هو الانطلاق المفتوح وراء هوى النفس الطموح
ومعنى آخر هو السعارواللهث الذى لاينتهى فى التكالب على متع 
الحياة الدنيا ,أما إذا كانت الإجابة بأن هناك هدفا أسمى هو إتاحة أفضل فرصة للروح كى تنو وتزهروتعلو وتشرق وتتألق فهذا يعنى نظاما جديدا يكون المنهج فيه التقليل قدر الإمكان من طعام الجسد وإفساح المجالات أمام أغذية الروح .
وأكاد أسمع صائحا يصيح :ماهذا الضيق الذى تريدون أن نعيش فيه ؟أليست تلك طيبات الدنيا التى خلقها الله لنا؟أليس لنا أن نتمتع
بها ما دامت من حلال؟
وأبادر فأقول :إن الله عزوجل قال عن المتعة الحلال:"وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين"ويقول :"إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين "ويقول عمن كان همهم المتعة والأكل :"يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنارمثوى لهم ".
إن الإسلام يعلى قدر الإنسان ويعده صاحب رسالة للرقى بالحياة 
ولا ينبغى لهذا المخلوق الذى كرّمه الله أن يهبط بمستواه إلى درك الحيوان .
وقد يقول قائل :طيب وما ذا نستفيد من هذا الفن الرفيع (فن الزهد
أو الاستغناء )؟   أقول :نستفيد الكثير :
نستفيد تربية نفوسنا وتقويتها أن تملك زمام أمرها وتكون قائدة 
لرغباتها لأنها إذا طلبت شيئا صارت عبدا له وإذا استغنت عنه 
كانت سيدة له وصدق شاعرنا القديم حين قال :
                       والنفس كالطفل إن تهمله شب على
                       حب  الرضاع وإن تفطمه   ينفطم
ونستفيد إتاحة الفرصة لأرواحنا أن تستمتع بالمتع الحقيقية الباقية 
وهى تذوق قيم (الحق والخير والجمال )الذى لايدركها إلا من صفت أرواحهم من كدرالأهواء وتخففت من مطالب الجسد ز
ونستفيد ترشيد استخدام نعم الله عزوجل التى أتاحها بالقدر الذى يكفى كل المخلوقات على وجه الأرض من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة مصداقا لقوله تعالى :"وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين "ومع هذا نجد الأرض تضيق ذرعا بأولادها 
الذى يعانى الكثير منهم من المجاعات الطاحنة والفقر المذل وما 
ذلك إلا باتباع سياسة الاستهلاك وخصام فن الاستغناء .
ونستفيد فائدة عظمى إذا توسعنا فى مفهوم الاستغناء ليشمل كل 
ألوان الإعراض عن الفساد فإذا استغنى الناس عن التاجر الغشاش سقط وإذا استغنى الناس عن الصحفى المنافق سقط وإذا استغنى 
الناس عن السياسى الفاشل رحل وإذا استغنى الزوج عن الزوج 
الخائن استراح ...
أما العكوف على الأمر الواقع والفساد المتاح فهذا مما يشجعه على أن يبيض ويفرخ وينشر أجنحته ليزيد حياتنا ثقلاوهما يطحن أرواحنا وأجسادنا معا .
وبعد :ألستم معى أن سياسة (فن الزهد أو الاستغناء)جديرة بالنظر والاعتبار يا أولى الأبصار ؟

ليست هناك تعليقات: